"عجائز متن، ويحكين "


 

 

العجائز اللواتي غدون خماصًا 

كما الطّيور الجوعانة في شتاءٍ قاس

وعدن بلا بطونٍ ولا أقدام 

ولا شيء يدلّ عليهن

سوى أن لكلّ واحدة منهن 

منديلًا على الخصر اشتهرت به 

وما كان للّهب أن يحرق طيّاته التي قست 

وهي تشدّ عزمهن كلّما مرّت مصيبة 

وقسماتٍ مغضّنة محفورة 

مثلما على وجوههن 

على الصّفحة الأولى لذاكرة الشباب

بالأكياس نفسِها عدن 

بالأكياس 

التي كانت سوف تتّسع لحرجٍ من البقلة 

والخبيّز البكر وحزمٍ من الدردار

قلن لبعضهن:

من أجداد وأجداد

لم نسمع أن حلبيّا جاع

نحن رِجل في القبر ورِجل في الخرابة

إن متنا أرحنا واسترحنا 

وإن نجونا سددنا رمق الصبيان 

وتجلّست لهم على الأكتاف 

رقابٌ تحاول العيش في عمر جديد

نحن، في الأصل، فضلة 

ولا طعمَ لعمرٍ يموت أولادنا قبلنا فيه

نحن، لا نظن، أن الصاروخ سيلتفت إلينا

سوف يرانا عيدانًا أو جراءً فالتة 

أو ربّما عُلب سردين فارغة تتدحرج 

من أثر أصوات القصف

نحن نعرف مذ كنا صبايا

نشتغل بمحالج القطن بـ"عين التل "

قبل أن تُحرم العرائس نسيج حلب

قبل أن تصير مرآب حشاشة

وقشلات وملفىً للصوص

يسرقون أحمال الخسّ والقنّبيط

عن ظهر البغال القادمة من الشمال

نعرف أنّ، هناك، في ظلّ الحيطان 

البعيدة عن رعاة الماعز

ينبت دردارٌ بساقٍ غليظة ونكهةِ فِطر

نيّئا يُؤكل، وبنفضةٍ يهرّ عنه الوحل الطريّ

وكمشةٌ منه تقيت عتّالا ثلاثة أيام بلياليها

العجائز اللواتي دفنَّ على عَجل 

في مقبرة جديدة 

تقول الجنازة التي هي أقل من عددهن: كانت الفأسُ سلسة في الحفر

ليس كما عهدناها في "تراب الهلك "

والبارحة عصرًا 

كانت بلا عشب

وفوقها خيمةٌ من دخان 

وليس لمجنونٍ أن يصدّق 

أن عصافيرَ تسهر على سطوح بيوتهن 

ويمضي الصبيان

في لعبة الغمّيضة

في رشاقةِ مَن قام شبعانَ عن وليمة للتوّ.

 

 

سلام حلّوم

شاعر سوري

Whatsapp