متى سيعود أبي؟


 


 

متى سيعود أبي 

أنت أيضاً كنت تتأخر 

كنت تسافر 

وكنت أسأل أمي عنك 

جواب أمي لم يتغيّر طيلة سنوات 

ظلَّ تقليدياً 

(والدك يسافر لأجلنا) 

حتى أنني لم أعد أسألها 

متى سيعود أبي 

لذلك عليك أن تعذرني 

أنا أيضاً سافرت لأجلكم 

حدث هذا بعد موتك بعامين 

وظلَّت أمّي تسألني 

متى تعود يا أبني 

ظلَّ تقليدياً سؤالها 

وكنتُ أجيبها 

لقد سافرتُ لأجلكم 

ولا أعرف متى أعود 

وعَدْتُ نفسي كثيراً بزيارتك 

وكذبتُ كثيراً 

كنتُ أنتظر أن ينتهي السفر 

لكنَّه في كل مرة يفاجئني بمصيبة 

أعرف أنك لن تصدّقني 

لذلك أحتفظ بملفي الطبي 

لترى كم أنا مريض 

ولتضحك على الحقن التي انغرزت في جلدي 

حقنٌ لم نسمع بها في قريتنا (موباتو) 

وحبوب ومراهم، وصور شعاعية للقفص الصدري 

لقد حفظت تقوُّس عظامي كلها 

وصرتُ أفهم مثل طبيب بقراءة التخطيط القلبي 

لذلك ستعذرني حين أعود 

فغيابي كلَّهُ مبرر 

وعدتكُ قبل سبع سنوات بأن نقضي العيد معاً 

لكن الظروف لم تساعدني 

خوفي من الغابات 

هلعي من الذئاب 

قتلا رغبتي في البحث عن ليلى 

فأصابني مرضٌ آخر 

قال الأطباء بأنه مزمن 

ويحتاج لسبع سنوات 

وحين راجعت الطبيب قبل يومين 

ووضع رأسي تحت المجهر 

قال سبع سنوات أخرى 

لا تضحك يا أبي 

فلقد غزتنا الأمراض الغريبة 

وصرنا نهرب من موتنا 

لم يعد كما في السابق 

حين أمسكتُ بيدك على ظهر البيك آب 

واتجهنا من حلب إلى موباتو وأنت ميّت 

لقد تبدَّلت طقوس الموت 

فلا نعرف الحي من الميت 

لذلك أعرف أنك ستعذرني 

وستعفو عني لسبع سنوات قادمة 

السنين تركض يا أبي وأنا تغيَّرت كثيراً 

لم تعد الغابات تخيفني 

والذئاب كلّهم أصدقاؤنا 

وحدها ليلى ما زالت تخيفنا  

السنين تقشّر الإنسان يا أبي 

فيخسر جلده مثل تفاحة تحت الشمس 

لذلك لن تعرفني 

أقسم لك بأننا لو ألتقينا لن تعرفني

أمَّا أنا 

سأعرفك 

لأنني ما زلتُ أحتفظ في رأسي اللعين 

بصورتك الأخيرة يوم وفاتك 

أمَّا أنت فلن تعرفني 

لقد كبرتُ يا معلّمي 

وتغيَّر شكلي كثيراً 

حتى أن أمُّي لا تعرفني 

تسأل أختي في كل مرة … 

من هذا الوسيم 

أمي ليست طبيبة يا أبي 

لا تجيد التعرَّف على الصور الشعاعية 

لذلك أنا أعذرها 

لقد أخذتنا السنين يا أبي 

وتأخرنا عليك 

لكنني أعدك في هذه المرة 

ألا يكون جوابي تقليدياَ 

سأجيب بوسامة الغربيين وصراحتهم 

لا أستطيع الآن زيارتك 

هناك جرعات عليَّ أخذها لسبع سنوات 

سأخسر فيها وسامتي 

سيتساقط شعري حتى الحواجب والرموش 

ستظهر شامات في خدّي وعلى الكتفين 

سيتغيَّر طولي ووزني  

ولون بشرتي 

وسأصير مثل فزَّاعة عصافير 

بملامح شاحبة 

لكن صوتي لن يتغير 

ستعرفني من صوتي 

إذا جئتك بعد سبع سنوات 

قد يحدث وأصل في الليل 

لم أعد أخاف الليل يا أبي 

اكتشفت سرَّ الغابات 

نمت فيها ليالٍ طويلة 

وأكثر ما كان يخيفني 

تلك الأصوات القادمة من المدينة.

 

 

محمد سليمان زادة

شاعر وكاتب سوري

Whatsapp