الحرب هي الحرب فما الذي اختلف؟


 


 

لا شكّ أن الصراع سنة الكون منذ الأزل وأن الإنسان في بدايات وجوده الأرضيّ قد اختار العنف، وهو أحد أشكال الصراع الأشدّ قسوة وكلفة، سبيلاً للبقاء والأمن ولتأمين احتياجاته البيولوجية والغريزية، ثمّ إنّ هزيمة الخصوم وإخضاعهم والاستيلاء على حيواتهم ومقدّراتهم، وفق المدركات المنحرفة والتصوّر القاصر، لن تتأتى بغير استخدام القوة والفتك. 

مع تشكل الجماعات البشرية ما لبث النزوع إلى السيادة والسيطرة أن اتخذ صورة السلطة المطلقة، مستفيداً من تلك النظريّاتٍ التي تمنح للغالب حقاً إلهياً يحكم بموجبه ويتصرف بحياة المغلوب ويقرر مصائره وأقداره، كذلك فإنّ الغلبة التي باتت قانوناً هي بالتأكيد صيغة أسهل للراعي القويّ لبناء العلاقة مع الرعيّة الضعيفة، تقوم في جوهرها على سيادة المنتصر وعبوديّة المهزوم والمنكسر، تعفيه من إعمال العقل وتطبيق موجباته التي تقضي بنزع الصفات غير الإنسانية عن الحاكم ومساءلته، وتشترط الإرادة الحرة في المحكوم ليختار من يحكمه، وتقرّ بالمساواة في الحقوق والواجبات بين الناس.   

إن قيام الثورات في أوربا ونشوء الدول الديمقراطية على أسس دستورية وقانونية وترسيخ قيم المواطنة الحرّة بشّر بعهدٍ عالميّ تنتهي منه الديكتاتوريات وتنقرض فيه العبودية وينتفي معه العنف والاستغلال... لكنّ الرأسمالية بوجهها القبيح وقيمها المتفلتة من المبادئ الإنسانية والعهود الدولية أودت بأحلام المستضعفين، وأدت بسبب أطماعها المتوحشة والتنافس على المستعمرات ونهب ثرواتها إلى حروبٍ عالميّة أزهقت عشرات الملايين من الأرواح وخلفت دماراً شاملاً، وكوارث يحتاج التعافي من آثارها إلى عقود طويلة من السنين وربما قرون. 

وبالرغم من تأسيس الهيئات الأممية ومن المعاهدات والاتفاقيات والقوانين الدولية التي تهدف لمنع الحروب، والقضاء على طغاة الأرض وطرد وكلاء الشيطان من بروجهم المصنوعة من جماجم الرافضين للاسترقاق والذلّ، إلاّ أن حلم الإنسان بالحرية والعدالة والكرامة وبعالم من الرفاه آمنٍ مستقرّ يتبدّد، بل أصبح كل ذلك من منظور واقعيّ وهماً أو سراباً لا تخطئه عين ولا يخفى على عاقل، فما تشهده البشرية هو تحالف لأرباب الشرّ ومؤامرة تنسج خيوطها وحوش السلطة والقوة والمال ممن يتخفون في السراديب المظلمة، ويتسترون بأقنعة المبادئ والقيم المضللة.

لقد اختفت الحروب التقليدية أو كادت بما انطوت عليه من ضوابط ومعايير وبما سعت إليه من أهداف وغايات، سواء تلك التحررية منها أو الأيديولوجية أو التوسعية والاستيطانية المعلنة، لتحلّ محلها أشكالٌ من العدوان والتدمير من نوع مختلف تهدف إلى إفناء الإنسان أياً كانت هويته أو دينه أو وطنه. كذلك تبدلت التحالفات واستبدلت الوجوه، لم تعد حروباً تشنها كيانات أو دول على دول، بل جرائم إبادة ترتكبها أنظمة وحكومات باسم الوطن والوطنية على الوطنيين الأحرار من شعوب هذه الأوطان، حروب بالوكالة ومرتزقون عابرون للجنسيّة والقوميات والدول.

ثمّة ما يؤكد وجود قوى خفيّة باتت تتحكم بالأنظمة والمؤسسات المحلية والدولية، وبموارد العالم وثرواته على كلّ المستويات، وفي قطاعات الحياة ومناحيها كافة. حكومة خفيّة، دولة عالميّة عميقة، مافيا أممية، سمّها ما شئت، من يتلاعب بمصير البشرية ويتحكم بمفاصل الحياة على أرضنا المنكوبة بشياطينها وببعض إنسانها، تقدم لها المشورة والمزيد من الأفكار والخطط مراكز دراسات وأبحاث ومختبرات وكهوف طابقيّة سرية محميّة ومحروسة بشدّة، وتؤازرها ماكينات عملاقة ماليّة وإعلامية وأمنيّة... ليس من الصواب إنكار الحقيقة لأنها لم تتجسّد عياناً حتى اللحظة، كذلك فإنّ من الغباء والسفه أن ننكر الموت فقط لأننا لم نمت بعد.

قانون القويّ وحده ما يزال سارياً على عالمنا وإن تغيرّت عوامل القوة وأسبابها، إنه حلف الشيطان دائناً بدِين السلطة والمال، موغلاً في الخطيئة والتوحش، قافزاً على الوطنية والقومية والأيديولوجيات جميعها، من يمسك بتلابيب الحياة ويشدّها، ويغوص بها إلى قاع المجهول المرعب، فهل لمن يستند إلى الله والحقّ، وإلى طبيعته الإنسانيّة الخيّرة أن يمتلك القوّة لينهض من عمق مأساته وعذاباته، أن يتجاوز حالة التردّي والتقهقر ويبني تحالف الإنسان؟!. 

 

علي محمد شريف

رئيس القسم الثقافي 

Whatsapp