لم يكن بهذا الاتساع
وأنا كنتُ في السابق أكبر مما أنا عليه الآن
كنتُ أطول بكثير
أعيش على مقربة من النجوم
كنتُ أقوى، أسرع،
أقسى
وكان عندي ساعة يد
كنتُ أعرف تماماً ما هو الوقت
وأعرف متى ستأتين
لذلك كانت الأيام بطيئة
حين كانت كثيرة
…
كنتُ في السابق أنام بهدوء غيمة
حينها كانت السماء لي
من شقراوات قامشلو
إلى سمراوات عفرين
من بيضاوات حلب
إلى عسل الجنوب
كنتُ في السابق غيمة
حين كان الفرات فراتنا المنتشي
برائحة الفراتيات
وعرق ثيابهن
كنتُ في السابق غيمة
ولم أكن أعرف أن ليلةً ماطرة
ستمحو أثري
…..
كنتُ في السابق
أركض في الدروب
أرى الفراشات وأزهار الحقول
أرى أعشاب الأنهار والخراف على ضفتيه
أرى الفلاحين يغنّون حول النار
كنتُ أتفقد كل التفاصيل الصغيرة
وأشعر أن كل شيء
له علاقة أبدية بي
أمَّا الآن
فلا شيء سيعيدني
حتى حياتي لا تخصّني
ومنذ زمن لا أرى الأشياء من حولي
كأنني جئتُ للحياة في ليلة ماطرة
وكأن حياتي استغرقت لحظات السقوط من غيمة
إلى جوف التراب
والدروب التي ركضتُ في بداياتها
ضاعت منّي
لا أرى الفراشات وهي تطير
أراها فقط وهي يابسة على مسطبة الشباك
….
هذا الحزن لم يكن بهذه الشراسة
حين كنتُ أعيش بقلب طائرٍ أسطوري
أعشق جارية فينيقية
وأدفع بإصبع واحدة
صخور سيزيف
هذا الحزن كان بلا نسب
بلا ملامح
بلا عينين يجلس على شرفتيهما
ويتأمل العالم كعجوز
فأعطيته ُ عينيَّ
هاتان العينان كانتا في السابق
جناحين لطائر أسطوري
يعشق البحار وملكة سبأ
يقنع سيزيف أن يرمي الصخرة نحو الجحيم
ويحكي للفلاحين عن وجود طيورٍ عملاقة
تُسمّى طيور الحزن
لا شيء يفزعها
لا السحر ولا سواد الفزّاعات
لا شيء يوقفها كأسراب الجراد
لكنها جميلة
لأنها
طيورنا نحن
وتحت أجنحتها يرقد كلَّ الذين نحبهم
ورحلوا.
محمد سليمان زادة
شاعر وكاتب سوري