عند بابٍ غارقٍ في القهر
أُلْقِي برؤىً منهكةٍ لمّا تزلْ تعصفُ بيْ منذُ سنينْ
كان درباً غايةً في الحزنِ والخوف....
مزيجاً من صُراخ التَّائهينْ
ودموعاً
أتهجَّى في ينابيعِ سناها قصصَ الوردِ، وشوقَ الياسمينْ
أنا عبدُ الله...
والإعصارُ يطوي ما تبقَّى من أغانٍ
كنتُ أهديها لأعشابِ البساتين
لصرصارٍ تهاوى
(ربَّما ضربةُ شمسٍ قد أضرَّتْ بأمانيْهِ)
وكنَّا قبل حينْ
نتسلَّى بأناشيدٍ وأسرارٍ، وكانَ الحاصدونْ
في جنونٍ يركضونْ
هي أقصى ما لدى الرّحلة مِنْ شكوى
شبابيكُ المحطّات توارتْ...
ليس إلاّ بقعةٌ في مُستباحِ الصَّمتِ
يعوي في حناياها الزَّمنْ
قيلَ لي أين جواز السفر، (البسبورت)...
يا أنتَ، تُرى ما لَكَ تمضي ليس كالعادةِّ؟
مِنْ غَيْرِ أيادٍ
ومناديلَ وأوراقِ اعتمادٍ
أو حقيبةْ
قلتُ عذراً...
أنا عبدُ الله، لا شيء ورائي
أخرجتْني الرّيحُ...
سلاطينُ البلادْ
والجرادْ
والعبادْ
ألفُ موتٍ في حساباتي، ومليونُ مَصِيْبَةْ
أنا عبدُ الله لا أملكُ من أرضي الحبيبةْ
غيرَ تاريخ مقيتٍ، وعَفَنْ
ما الذي يمكنُني أنْ أكتبَ الآنَ؟!
وماذا أحملُ اليومَ من الوديانِ
والأحجارِ
والحلْمِ الّذي كنّا نسمّيهِ (وطنْ)؟!
ما الذي يمكنني أن أكتب الآنَ
إذا كنت غريباً
أجهلُ اسميْ، وعنواني، وما في جسدي من مفرداتٍ
وصورْ
***
لن أُسمِّيْها سَنابلْ
طالما كانتْ بلا قمحٍ ولا شوقٍ لإيقاعِ المناجلْ
طالما أدمتْ فؤادي بنظراتٍ تحملُ الشَّكَّ
وتطوي صفحاتِ الرِّيح
تذكارُ فتاةٍ دونَ سِنِّ العشْق...
كانتْ تتغطَّى بكثيرٍ من تعابير الحياءْ
(كلَّما قالتْ ألا تأخذُني فوقَ حصانٍ بجناحين
وتمضي بيْ إلى أعلى فأعلى
قلتُ مهلا...
فقريباً عندما يأتي الشتاءْ
تكبرينْ
ويصيرُ الحقلُ موَّالاً شهيّاً، والعيونْ
تمتطي سحرَ التَّراتيل إلى حيثُ نكونْ).
***
لن أسمِّيها سنابلْ
طالما ألقتْ إلى النسيانِ أخبارَ الجداولْ
وتخلَّتْ
عن حكاياتي وميراثِ الأيائلْ
فمضتْ صامتةَ الأشواقِ، لم تهمسْ بسمْعي...
أو تعاندْ نَظَراتي
لم تُسَدِّدْ عطرَها نحوَ فضاءاتي
ولمْ تمرقْ كسهمٍ...
أو تُخاتلْ
لن أسمّيها سنابلْ
لن أسمّيها
سنا...
... بلْ
عبد القادر حمّود
شاعر وكاتب سوري