عامان على الفراق


 

أواخر عام 2012، أجبرتنا المخابرات السورية على ترك وطننا ومدينتنا الحبيبة الرقة، فهاجرنا إلى مصر، وفي أواخر عام 2013 اضطررنا إلى معاودة الهجرة إلى تركيا حيث أقمنا فيها لسنوات طويلة واعتبرناها وطننا الثاني.

وبتاريخ 22/7/2019، كانت هجرتنا الثالثة إلى فرنسا، غادرنا تركيا ونحن نشعر أن أجسامنا هي التي تغادرها، بينما أرواحنا ظلت لصيقة بكل مدنها الحبيبة وناسها الطيبين.

عامان مرا بقسوتهما، ولم تخففها إلا العلاقات التي أقمناها مع الأتراك في كل المدن والأماكن التي نزورها أو نسكنها في فرنسا، أصبحت المقاهي والمطاعم والمحلات والمولات التركية وجهتنا، وكي نخفف من قسوة غربتنا ونعوضها أقمنا علاقات مع أشخاص أتراك طيبين ومع منظمات إنسانية تركية.

في إحدى مقابلات اللجوء سألني المحقق عن سر تعلقي بتركيا، لأن غالبية الأماكن التي أرتادها تركية، وكل ما أكتبه هو عنها، وقال ستقدم لكم فرنسا كل ما تحتاجونه من وثائق رسمية وتأمين صحي وراتب مساعدة اجتماعية، ثمَّ سألني باستفزاز:

  • هل أنت تابع لها.

قلت له: أنا من ثوار سوريا، ونحن لا نتبع إلا ثورتنا التي تنادي بالحرية والكرامة، وتستطيع الاطلاع على قصصي وغالبيتها التي كتبتها منذ سبعينيات القرن الماضي تنادي بالحرية وتعادي الديكتاتورية والطغيان.

وقد رفضت العديد من المناصب والأموال لأنها ستجبرني على التخلي عنها، وبحكم مكانتك فلديك الوثائق التي تثبت أقوالي ومواقفي.

وهناك أمر قد لا تدركه، وقد يكون غير معروف بفرنسا، السوريون الأحرار يمتازون بالوفاء والعرفان لمن قدم لهم معروفاً.

لذلك دوماً نحن مدينون لأهل مصر الطيبين لوقوفهم مع السوريين، ونحمل مواقفهم مع موقف الشعب التركي ديناً في رقابنا ما حيينا، وسنورثه للأجيال القادمة.

وذات الموقف سنحمله معنا للشعب الفرنسي بعد عودتنا إلى سوريا الحرة، نحن لا ننسى، والوفاء هو سمة لكل سوري حر، وكذلك العرفان بالجميل.

الوضيع هو من يتنكر لمن يقدم له معروفاً، ومن ينسى من سانده ودعمه، وهو بالتأكيد لا ينتمي إلى الإنسانية وبالتأكيد لا ينتمي إلى أحرار سوريا.

المواقف الصادقة لا ترتبط بوجود الأحرار بالأماكن، بل هي ملازمة للمواقف الإنسانية وستبقى لصيقة بالإنسان يحملها معه في كل مكان يرتحل إليه.

أحسسنا بالعذاب والحرمان لإجبارنا على مغادرة وطننا الحبيب سوريا مسقط رأسنا، وذات العذاب والحزن لازمنا خلال ابتعادنا عن وطننا الثاني تركيا، هو فقد حقيقي لتركيا وأهلها، لمدنها وشوارعها ومطاعمها وأهلها الطيبين.

وكانت صحيفة إشراق بوصلتنا، وقد عملنا على توسيع دائرة قرائها، ووزعناها ورقياً على كل المولات والمطاعم والمقاهي التركية والسورية في العاصمة باريس وفي عدد من المدن الفرنسية.

ولا زالت أواصر الصداقة والأخوة والمحبة متواصلة مع عدد كبير من الشعب التركي ومع أدباء وصحفيين وأساتذة جامعات، ولن ننسى ما حيينا مواقف المفكر التركي (تورغاي ألديمير) ودعمه وتبنيه لصحيفة إشراق ولملتقى الأدباء والكتاب السوريين، ونعمل معه على وصول صحيفة إشراق إلى العالمية، ولولا فيروس الكورونا لكانت صحيفة إشراق قد صدرت باللغتين الفرنسية والإنكليزية.

ونحن نستعد لزيارة تركيا قريباً، وستستمر هذه الزيارات وتتكرر، ونخطط للاستقرار فيها مجدداً.

عامان مرا ولا زلنا نخطئ بتحيتنا الصباحية للآخرين فبدلا من (بونجور) الفرنسية نقول بالتركية (كونايدن).

 

صبحي دسوقي

رئيس التحرير

Whatsapp