كبار السن في مخيمات إدلب: تحت وطأة العجز والعوز


 

أمام باب خيمته البالية يجلس أبو صالح، وقد بدت  التجاعيد على قسمات وجهه، لتروي حكاية القهر والبؤس التي يعيشها بعد نزوحه من مدينة سراقب إلى مخيم عشوائي على أطراف مدينة أطمة على الحدود السورية التركية بريف إدلب الشمالي، بينما تنشغل زوجته بإعداد طبق "البرغل" بمكوناته البسيطة، مع كسرات من الخبز، بلا أي مقومات أخرى للبقاء.

عدنان أبو صالح (60 عاماً) هو أحد كبار السن الذين وجدوا أنفسهم مضطرين لتحمل قيظ الصيف وقر الشتاء في مخيمات النزوح، بعد أن تقطعت بهم سبل الحياة، ليعيشوا حياة الفقر جراء عجزهم عن العمل والإنتاج، وتدني مستوى الخدمات والمرافق، والاعتماد في معيشتهم على ما يصلهم من مساعدات إغاثية شحيحة بين الحين والآخر. يتحدث أبو صالح لإشراق عن معاناته بالقول: "بعد سفر ولدي الوحيد مع عائلته إلى تركيا بحثاً عن العمل والأمان، أصبحت أعيش مع زوجتي وابنتي المريضة حياة الفقر والحاجة، والمعاناة من قسوة الظروف المعيشية بسبب انعدام المواد الأساسية ." ويضيف بحزن: "اقتلاعنا من بيوتنا للعيش في المخيمات أصعب من الموت بالنسبة إلينا."

كما تتشابه مأساة أبي صالح مع غيره من المسنين داخل المخيم نتيجة الخوف والقلق من انتشار وباء كورونا، وكونهم من الفئات الأكثر تأثراً بالوباء، كذلك يعاني من صعوبة تأمين الأدوية لأمراضه "الضغط والسكري"، ولابنته المريضة بالضمور الدماغي، بسبب ندرة وجودها وغلاء أسعارها، وعن ذلك يقول: " نفتقر لوجود صيدلية ونقطة طبية داخل المخيم، رغم حاجتنا الكبيرة لشراء الأدوية باستمرار، ومراقبة أحوال ابنتي الصحية المتدهورة ."

وعن الظروف والأوضاع التي يعيشها أبو صالح داخل المخيم مع غيره من النازحين يقول: "معاناتنا تزداد يوماً بعد يوم؛ فالخيمة التي نسكنها لا ترد عنا أحوال الطقس من برد وحر، كما تزداد معاناتنا جراء شح مياه الشرب، فضلًا عن عدم توفر البنى التحتية الأساسية للخدمات، وعدم استقرار الوضع الأمني ."

وأكثر ما يؤلم أبو صالح هو البعد عن بلدته، وحياة النزوح والتشريد، وعن أمنيته يتحدث قائلاً: "نتمنى أن أجد سبيلًا للعودة إلى داري وأرضي بعد أن تضع الحرب أوزارها، لأكحل عيوني برؤيتها، قبل أن أفارق الحياة ."

على مقربة من خيمة أبي أحمد، تعيش فاطمة القدور (55 عاماً) التي نزحت من مدينة معرة النعمان مع ولدها البالغ من العمر 12 عاماً، وتعتمد في معيشتها على بيع الخبز لجاراتها في المخيم لتحصيل لقمة العيش، وعن ذلك تقول: "بعد النزوح من بيتنا أواخر عام 2019 فقدت زوجي إثر أزمة قلبية، وتفرق بقية أبنائي داخل البلاد وخارجها، وبقينا وحدنا، نعاني الفقر والحاجة، وقلة المساعدات، والحنين للمة الأسرة والشوق لرؤية الأبناء ."

تؤكد القدور أنها لا تطلب المساعدة المالية من أبنائها رغم سكنها في مخيم يفتقد أدنى مقومات العيش الكريم، فكل منهم منشغل بكسب قوت يومه، وتأمين حاجات أسرته المعيشية التي أصبحت صعبة المنال في ظل الغلاء والفقر وشح فرص العمل.

وتبين القدور صعوبة العيش بمفردها في ظل الغربة والنزوح، وتحن إلى بيتها الذي سيطر عليه النظام السوري، لكنها تؤكد أن البيت دون أبنائها مجرد جدران صماء لا حياة فيها، وعن ذلك تقول: "كنت أعتقد أن أولادي سيكونون عوناً وسنداً لي في نهاية عمري، لكنني وجدت نفسي وحيدة لا حول ولا قوة، تلاحقني الأمراض وهموم الحياة ."

عبد الله السلوم (39 عاماً) مدير مخيم عشوائي في بلدة كللي بريف إدلب الشمالي، يتحدث عن أوضاع كبار السن في المخيم بقوله: "يعاني المسنون من الأمراض التي تنهك أجسادهم، وغلاء أسعار الأدوية، إلى جانب بعد المراكز الصحية عن المخيم ."

ويبين أن المخيم يفتقر لوجود الحمامات الملائمة لكبار السن، وبعدها عن خيامهم، إلى جانب نقص مستلزمات النظافة والتعقيم، وصعوبة تأمين احتياجاتهم الغذائية بأنفسهم .

ويطالب السلوم بدعم ورعاية كبار السن غير القادرين على رعاية أنفسهم وتلبية احتياجاتهم الصحية والرعاية الطبية، نتيجة إصابة الكثيرين منهم بأمراض مزمنة، وانتهى بهم المطاف في المخيمات .

وبحسب فريق “منسقو استجابة سورية”، يقيم نحو 135 ألف مسنّ في مخيمات شمال غربي سورية، يعانون من صعوبات اقتصادية واجتماعية وصحية، إذ لم تكتفِ الحرب السورية بإبعاد أبنائهم عنهم، ممن كانوا يعتقدون أنهم سيكونون سندًا لهم عند كبرهم، بل وضعتهم وسط العوز والفقر والظروف المعيشية القاسية. 

 

 

سونيا العلي 

صحافية سورية

 

Whatsapp