أعتذر على الإطالة


في 12 تموز/يوليو الجاري، تم انتخاب الرَّئيس العاشر للائتلاف، ليترك الرَّقم تسعة يترك أخيرًا لغيره في انتخابات لا تقل "ديمقراطيًّة" عن انتخابات جرت منذ فترة للنِّصف الثّاني من الشَّعب نفسه. إذن، في عمر الائتلاف، الَّذي تأسَّس في 11 تشرين ثاني/نوفمبر 2012، انتخب عشر رؤساء له.

هي تسع سنوات لا أكثر، فيها من الأيّام 3278.25 يومًا، ومن السّاعات 78678 ساعة، ومن الدَّقائق 4720680 دقيقة. لكن، في ربع ساعة قد يتغير كل شيء، حتى الدستور أو الحريري أو العبدة، فلماذا لا تصبرون؟ أم أنَّ ما مرَّ على رؤوسكم من مآسي أنساكم مهازل الوطن والمعارضة؟  

هي تسع سنوات لم تكتمل بعد، فيها من الضَّحايا مئات الآلاف، ومن الجرحى مثلهم، ومن المعطوبين شعب بأكمله، ومن الأيتام والثَّكالى حدِّث ولا حرج، ولا تسل عن البندقيّة والهويّة والهتافات. لكن، بقي الشَّعب المفيد يرقص، واستمرَّت ليالي الاحتفال بانتخاب المنتخب إلى الأبد كما عهدناها. فلم النَّقد من النِّصف غير المفيد على انتخابات بلا رقص أو آلهة؟

هي تسع سنوات إلّا شهور قليلة، فيها من النّازحين ملايين، ومن المهاجرين ملايين، ومن اللّاجئين ملايين، ومن التّائهين ما بقي من الشَّعب. لكن، هاكم، بقي الائتلاف بمؤتلفيه الَّذين يمارسون حقَّكم المشروع بالتَّغيير، ولم يسقط أحد منهم، إلّا من تفزَّرت جيوبه وحساباته المصرفيّة. فلماذا الانتقاد؟ 

هي تسع سنوات، فيها من الخرائب ما يبكي حضارة، ومن الحرائق ما يمسح مدنيّة، ومن الجراحات ما يغرق قلب أم. لكن، هوِّنوا عليكم، فخيام الشَّمال وبقايا إدلب ما تزال بعينيها تقاوم. فلم لا تشكرون؟ 

هي تسع سنوات لا أكثر، مضى فيها أبو فرات بعد شهر من ولادة الائتلاف، وقتل فيها حاجي مارع بعد سنة، والساروت بعد سبع وكثر من أمثالهم. لكن، بقي الحريري والعبدة وثلَّة من الأوَّلين يحافظون على الأمانة، وخلف من بعدهم المسلط وقليل من الآخرين. فلم الجحود؟

هي تسع سنوات لا أكثر، ضاع فيها من الأزهار قدر ما ضاع من الأحلام، وافتتح من المطاعم الثَّوريّة قدر ما انتهك من المحارم الأسريّة، لكن، عادت مساعدات الدُّول إلى بنوكها مع اختلاف اسم صاحب الحساب وتفعيل كلمة السِّر: هذا من فضل الثَّورة.

فإن أردنا تقسيم الأرقام الَّتي ذكرناها أعلاه عليهم سنجد النّاتج يبتلع إنجازاتهم ويودي بها إلى الشَّوارع الخلفيّة التّاريخ.  

هل أطلت عليكم؟ أعتذر إن أنا فعلت، ففي القلب من الكلام ما إن تفجَّر سيغرق الدُّنيا أسى. 

لكنَّها تسع وحسب، ظهر فيها بدل الأسد آساد، وعلى خطا رفعت سار رفاعات، وبهدي النِّمر وزهر الدّين تصدَّر العمشات. ومن لم تقتله البراميل والخراطيم والسارين والنابالم، سحقته رحى الشَّتات بحجري التَّيه في الشَّمال والضَّياع في الغربة. فلماذا تستنكرون؟

هي كلُّها سنوات تسع لمّا تكتمل، انتقل فيها الحال من ثورة إلى معارضة، ومن رغبة بالتَّغيير إلى توق إلى المشاركة، ومن مطالبة بالمحاسبة إلى طلب شراكة، ومن عزَّة إلى ذِلَّة، ومن بيت إلى خيمة، ومن سباحة فوق موج الأحلام إلى رسائل موت تبعث من تحت الماء، و ... 

أكرِّر السُّؤال: هل أطلت عليكم؟ اعذروني إن فعلت، فالحديث منذ زمن مكبوت، والحرقة لها ذيول كالشُّهب، والآهات تنطلق من القلب كالخيول لا أكاد أجد لكبح جماحها سبيلًا.

إذن، فقد تنازل الحريري أخيرًا، ديمقراطيًّا، عن الكرسي، أو بالأحرى أجبر، "ديمقراطيًّا" أيضًا، على التَّنازل عنه حسبما أعلن منذ فترة ليست بالطَّويلة، وجاء المسلط ليحلَّ محلَّه لإعطاء العمليَّة إيحاء بوجود تغيير ما قادم. وتزامن هذا التَغيير في الوجوه مع تغيير في الرِّباط، مع إجبار الثُّوّار المرابطين على ما بقي من ثغور جبال التُّركمان على تركها، بغضِّ النَّظر عمَّن يكونون أو ما أنجزوا، في مشهد آخر من مشاهد المهزلة الَّتي نعيشها ولا نملك أدنى مقدرة حتّى على إطفاء التِّلفاز كي لا نتابعها بعد أن قرفنا منها ومن شخوصها. 

هي سنوات تسع مرَّت فقدت فيها الثَّورة ما يقارب 85 % من إيمان الكثيرين بها، و99% من رعيلها الأوَّل، و100% من القرار الحر والكرامة الشَّخصيّة والعامّة، والنِّسب بالطَّبع لم تخضع للقياس العلمي، وانتقلنا من ثورة سوريّة ممنوع انتصارها إلى معارضة صوريّة ممنوع إسقاطها. لكن، اطمئنّوا، ما زال هناك من لم يملأ كامل جيوبه من أحلامكم، ولذلك فالمعارضة بوضعها الحالي مستمرّة، مستمرّة ما دام الائتلاف قيد الاستثمار حتّى إشعار آخر. 

أطلت عليكم؟ أعتذر مجدَّدًا على الإطالة. 

 

 

محمَّد أمين الشّامي

كاتب سوري

Whatsapp