لم نستطع إسقاط الطاغية


 

يبدو أن "المجتمع الدولي" يريد أن يوصل لنا فكرة محددة حاول ترويجها والتركيز عليها في الآونة الأخيرة مفادها : (لم نستطع إسقاط الطاغية.. إذاً لنتعاون معه.!) نعم هذه هي النتيجة التي وصل إليها المجتمع الدولي بعد كل تلك السنوات الكارثية التي عصفت بالسوريين، والمفارقة العجيبة تكمن حين روّجت الولايات المتحدة في نهاية 2011 وبعد أشهر قليلة على انطلاق ثورة الشعب السوري أن أيام بشار الأسد باتت معدودة، بينما نجد اليوم وبعد كل هذا التاريخ الحافل بالمجازر  يتزايد  عدد الدول التي تقترح اعتباره جزءً من الحل، لا بل لاحظنا في الأشهر الأخيرة ازدياد تكرار "أسطوانة" أن لا حل عسكري في سورية ولا بديل عن التفاهمات السياسية، وكأن المشكلة بين الشعب السوري وبين الأسد هي مجرد اختلاف بالآراء السياسية ويمكن حلها بالجلوس حول طاولة الحوار للتوصل إلى حلٍّ وسط يرضي الطرفين!
يبدو أن معظم الأطراف الدولية اليوم ينظرون إلى "الأسد" على أنه أهون الشرور المحتملة.!
ومن هنا بدأ التساهل مع نظام دمشق والتغاضي عن العقوبات المفروضة عليه وتمييعها وتحويرها، لدرجة أنها باتت نقمة على الشعب المنكوب أصلاً، ونعمة على النظام الذي لم يتأثر كثيراً بتلك العقوبات فخطوط إمداده الموجودة منذ البداية مازالت تعمل بالوتيرة ذاتها إن كان من طرف الإيرانيين أو الروس وناقلات النفط الإيرانية مازالت ترسو في الموانئ السورية لتفرغ حمولاتها تعويضاً عن نفط الجزيرة السورية الذي فقد "نظام أسد" السيطرة عليه بشكل كامل، فكان لا بد من بديل يعين الأسد على تلبية احتياجات المقاتلين من الميليشيات السورية المحلية إضافة إلى الميلشيات الإيرانية والعراقية واللبنانية وحتى الأفغانية، ووجود هذه القوات غير المتجانسة على الأرض السورية شكل نواة لصراعات طغت على تلك الأطراف المتداخلة مما عقّد القضية ودوّلها وشعَّبها لتتحول سورية إلى ساحة صراع لتصفية الحسابات الدولية والإقليمية. والحقيقة أن بشار الأسد لا يمكنه التخلي عن الورقة التي لعب بها منذ البداية وهي "فزاعة التنظيمات المتطرفة" حيث طرح نفسه كمحارب لتلك التنظيمات وحامٍ للأقليات، بينما المتابع للشأن السوري يدرك أن لنظام الأسد اليد الخفية في تحريك معظم تلك التنظيمات بما يتناسب مع مصلحته ويدرك أيضاً أن نظام الأسد قد سهّل عبور "الجهاديين" إلى العراق عام 2003  وأن معسكراتهم في سورية كانت تدار تحت أنظار مخابرات النظام السوري ثم عاد واعتقل الكثير من القيادات "الجهادية" بعد عودتهم من العراق، ليطلق سراحهم لاحقاً عام 2011 بُعيد انطلاق الثورة السورية، لأسباب باتت معلومة وليثبت نظريته التي تبناها منذ البداية في أنه يواجه "الإرهاب" وأن على العالم الوقوف معه وتأييده في حربه ضد  "الإرهابيين" تلك الصفة التي أطلقها على كل من وقف ضده من الشعب السوري الثائر.
أما السؤال الذي يفرض نفسه اليوم :
- إلى أي مدى يمكن للمجتمع الدولي أن يقف بوجه إرادة الشعب السوري الثائر وبوجه أحرار العالم، وأن يتغاضى عن جرائم هذا النظام بل ويتستر عليه في محاولات بائسة لتعويمه وإعادة تدويره وإفهام الجميع أنه أمر واقع لابد من التعاون معه بمجرد قبوله بفكرة ((الحوار السياسي)).؟!

 

 

محمد علي صابوني 

كاتب سوري

Whatsapp