يشكل وصول (ابراهيم رئيسي) لسدة الرئاسة، في جمهورية إيران الإسلامية، أقصى درجات التطرف والتحدي تجاه الداخل الإيراني والعالم الخارجي، لما يحفل به تاريخه من عنف ودموية، وهو الملقب ب(قاضي الإعدامات) لدوره بتصفية عشرات الآلاف من المعارضين الايرانيين، والمناهضين لنظام الملالي في طهران، عدا عن كونه الأكثر تعبيرًا عن حقيقة النظام الإيراني في طبيعته الشمولية، والدموية، والمنغلقة على ذاتها، ومن حولها، وعلى العالم وتياراته الحداثية.
وكما هو معلوم فإن موقع الرئاسة الإيرانية يخضع في النتيجة، مع غيره من المؤسسات الدستورية والتنفيذية، لسلطة المرشد العام، ورئيسي لم يكن إلا المرشح المفضل ل(علي خامنئي)، لأنه الأكثر قربًا منه، وتلميذه النجيب والوفي، والأمين على توجهات إيران ومرشدها العام، في المرحلتين الحالية والمقبلة، التي تميل إلى التشدد والتحدي، وتسعى إلى التمدد والتوسع، وزيادة عناصر القوة في مشروعها، تزامنًا مع إدارة أميركية جديدة تسعى نحو العودة إلى سياسات المرحلة الأوبامية الرخوة، في مقابل مرحلة ترامب المتشددة نسبيًا مع نظام الملالي.
عدا عن كل ذلك، فإنه من المحتمل كثيراً أن يخلف (رئيسي) خامنئي المريض والطاعن في السن، في حال وفاته (82 عامًا)، في موقع المرشد العام للجمهورية، وهذا يدخل في إطار هندسة وترتيب البيت الداخلي استباقًا لأي تطورات مفاجأة، يحرص خامنئي أن يضع مسؤولية الجمهورية و"الثورة" في يد من يظنه الأكثر حرصًا ووفاءً على توجهاتها، ونهجها العام.
وصول (رئيسي)، الملطخة يداه بالدماء، يعد تعبيرًا حقيقيًا عن المأزق البنيوي للنظام الإيراني، غير القادر على تجاوز أزماته، والتعامل مع مشكلاته الداخلية والخارجية، والتي تشكل تحديًا وجوديًا له، والمتتبع لمسار الانتخابات الرئاسية في إيران، يكتشف بسهولة ويسر، فشل تيار الإصلاحيين المتكرر في إحداث تغيير جوهري في السياسات العامة للجمهورية، لاصطدامهم ببنية نظام غير قابلة للإصلاح، كما أن تيار المتشددين كان في كل مرة يفرز الأكثر تطرفًا من بين صفوفه، وصولصا اليوم لإبراهيم رئيسي، مع تزايد الرغبة في "تصدير الثورة" وفي لعب أدوار كبيرة على مستوى المنطقة، تكريسًا لمشروعها الطائفي والمذهبي، وهو مايدل بوضوح على أن طبيعة نظام الملالي برمته يشكل خطراً إقليميًا ودوليًا، عدا عن طبيعته الاقصائية الاستبدادية تجاه الداخل الإيراني المتعدد القوميات والإتجاهات.
على كل حال، يشكل وصول رئيسي رسالة قوية للداخل والخارج، ستكشف كيفية التعامل معها حقيقة المواقف التي تبدو أحيانًا ملتبسة وغير مفهومة، من أميركا وأوربا، كما أنها اختبار حقيقي لمصداقية العالم والقوى المتحكمة فيه، التي ترفع شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان، إضافة لحدود غض الطرف عن تدخلاتها الإقليمية وحروبها، بل وتسهيلها أحيانًا، التي تشكل خطراً حقيقيًا على المنطقة، وحتى بعض نظمها، المتحالفة استراتيجيًا وتاريخيًا مع أميركا، عدا عن محاولاتها، الدائمة والمتكررة، تهديد الأمن والسلم الدوليين.
كان لافتًا في حفل تنصيب ابراهيم رئيسي الحضور الإقليمي والدولي، خصوصًا دول مجلس التعاون الخليجي، باستثناء السعودية، مع حضور أوربي، وممثل للأمين العام للأمم المتحدة، في الوقت الذي باتت فيه إيران تهدد الملاحة الدولية في الخليج العربي، وتستهدف حتى السفن والبواخر الأجنبية التي تعبر في مياه المنطقة، ما يعطي مؤشرات متزايدة غير مطمئنة عن المستقبل، وإذا كان البعض يتحدث عن نذر حرب، أو أننا على شفا حرب إقليمية، فهي في النتيجة لن تخرج عن نطاق محدود وضيق، كتأديب لإيران على تجاوزها بعض الخطوط الحمراء التي تسببت بمقتل بريطاني وروماني، باستهدافها سفينة إسرائيلية، وهي سياسة إيرانية تذهب إلى أقصى حدود الإستفزاز والحماقة استباقًا لجولة جديدة من المفاوضات المتعلقة بملفها النووي وفق صيغة جديدة، بمعنى المقايضة وتحسين شروط التفاوض، التي يبدو أن أميركا ومعها أوربا يسعيان إليه، بقدر سعي إيران لفك الحصار والعزلة عن نفسها، ورفع العقوبات الخانقة عنها، التي أضرت بها كثيرًا، وحركت الشارع الإيراني للإنتفاض على نظام الملالي، بشكل متكرر ومتصاعد في السنوات الماضية، وصلت إلى حدود المطالبة بإسقاط النظام كاملًا وإهانة رموزه.
منذ الساعات الأولى لتنصيب إبراهيم رئيسي، وفي حفل تنصيبه، أعطيت إشارات كثيرة دالة عن سمات المرحلة القادمة، وخطوطها الإستراتيجية العريضة، سواء لجهة إعدام بعض المعارضين المعتقلين، أو التصعيد في منطقة الخليج وبحر العرب، أو حضور شخصيات تمثل أذرع إيران في المنطقة، ورفع صور المقتول قاسمي، وكل ذلك ينبه إلى الأخطار المحدقة بنا، كسوريين وعرب، في ظل غياب إرادة دولية جدية لمعاقبة إيران، ومحاسبة مجرم كإبراهيم رئيسي، في ظل غياب فعل عربي يوقف التمدد الإيراني في المنطقة، التي تبدو في مهب الريح تتصارع عليها المشاريع المختلفة، الطامعة، ويبقيها غارقة في الفوضى، والإضطراب، والدم.
عبدالرحيم خليفة
كاتب سوري