أهلا بك في عصر الصحوة والاعتبار والتي سبقتها عقود من اللامبالاة في كل ما هو عام من وظيفة أو عمل أو فريق والتقوقع الرهيب في المربع الأول من الهدوء والعزلة والتفكير في السياسة هو مهلكة لا نجاة منها واعتبار العمل المجتمعي هو مضيعة للوقت وقلة من آمنوا وصنعوا فوارق في بيئات ضيقة في حين كان من المفترض أن تكون الأعمال المجتمعية التحفيزية للشباب والشابات أكبر من أجل مستقبل أفضل فالكثير من الوقت كان من الممكن أن يستغل بشكل أفضل وأن يصنع الإنسان في وطنه أثرًا وجدانيًا معنويًا يمد للحضارة والإنسانية.
إلى اليوم الذي كتب على نفسه أن يحرر من جدران الصمت والتساؤل والتفكير والانتقاد بصوت عالي جدًا لأن السكوت لأجيال طويلة لم يعد يجدي ولأن العودة للوراء أصبحت عبثًا مضللاً والوقت سيف اقتص من الجميع بلا استثناء في غاية البحث عن من أنا؟ ومن نحن؟ ومن هم أيضًا؟ فهناك أسئلة تأخذ العمر منك لتعرف بعض الإجابات منها.
في الوقت نفسه كان من المهم أن نستعيد ذاكرتنا بمن قيد تفكيرنا عن الذهاب في المذاهب السياسية والنظريات التي شكلت نقلة في آفاق الشعوب التي نهضت بعد نكسات الحروب والمجاعات والأزمات الاقتصادية والإفلات من حكم الإستبداد والطواغيت وصناعة تفوقهم وفلسفتهم الواضحة في أذهانهم وفي مشاريعهم الوطنية واستنارات حفاوة ما وهبوا للتراث الإنساني السياسي.
في كل مرة نستعيد عافية الصحوة من جلل الغفلة نجد بأننا لم نقرأ في العلوم السياسية كما يجب بالرغم من أنها الخلاص والوعي العميق والدقيق للقضايا التي تدق من أصغر تفاصيل حياتنا ومساراتنا إلى أكثرها جدلًا واحتمالات لا نهائية.
والسؤال: ما هي القراءة الجيدة في العلوم السياسية؟ هل نقرأ للحد الذي يبقي أذهاننا مستيقظة؟ أو للحد الذي نقول فيه لأنفسنا ماذا بعد؟ والقدر الذي يجعلنا نسأل أنفسنا أسئلة تخرج لنا نوعًا فريدًا من التفكير؟
الأسئلة نعم، أنت في الطريق الصحيح عندما تكرر الأسئلة على نفسك وتحرر ذاتك من الفراغ اليومي. إلى جوهر ما يدور حولك فتخلق المزيد من الفضول والمزيد من التحرر من سلطة الرتابة القاتلة إلى التفكير وتحويل سيل أفكارك اليومي إلى عصف غني يرفع من استحقاقك ويرفع من تركيزك وحتمًا يقودك الذهن إلى أبواب العلوم السياسية ويقودك إلى رغبة الكتابة العارمة فهي كيمياء اللحظة الواثقة للخروج للعلن والإعلان عن بعث جديد للحقيقة فالكثير من التصورات المادية والوجدانية سوف تأخذك إلى النثر السياسي وما فيه من مفاتيح النثر كمفاتيح البيانو تبدع في مسرح لمن يملك لغز أسرارها، ولكن الفرق يكتب لمن يملك تلك الأصابع لتصبح حياته واعية أكثر و يبني استحقاقات له و لمن يؤمن به بشكل موازي ويلقي الخير بمكاسب الخير.
معنى ما يجري في ألحن معانيه الحياتية والنفسية والتشابك والتلاصق السياسي والعسكري كل سطر تقوله العامة ويقوله الكاتب والمستنير ويقوله المهووس في أدبيات البحث ونشرات الأخبار يحفظه من يكتب النثر السياسي فهو من يصنع معلقات عصره ويقرأها على الملأ وقد يكتفي بالكلام القليل وقد يطوي الصفحات وهو يملي في مسامع الزمان ما يصنعه طابخي السياسة وما يفعله ماسحي الصحون.
النثر السياسي يحتوي على كل الثقافات الإنسانية ولديه ما يعقلن الخطوات وما يجعل الفلسفة السياسية روحها وما يستقر لها من فهم عالي وإدراك فائق لما يجري قلب الإنسان الذي يبحث لا يهدأ لأن لديه شغف يحكمه ولديه غاية التجدد والتعلم المستمرة وتوثيق المعضلة السياسية وما يتصل فيها على الخرائط وما يحركها ما وراء تلك الخرائط. فكل صورة معنى ورنين كل كلمة وزن والتأليف قد يتقن وقد لا يتقن ولكن الغاية في القوالب السياسية أن تكون في كل مجالات الفن والقانون والحياة.
وبه الشرح لا يقتصر على باب ولا ينطوي في زاوية حادة فالنثر نافذة العقل الذي يشرق منها والذي يعود لها محملًا بهواء الحاضر الباعث على قراءة الأحداث والتفاصيل والتواريخ والوجوه.
وعليه من يحمل قرطاسه أن يملأ العالم بالشغف لكي تحب العلوم الإنسانية وتحب العلوم السياسية لتبقى الشعوب حية ويبقى الأمل في فسحة واقعهم وعليه يعقد كل إنجاز وعليه يعقد كل منفعة لهم.
ملك توما
كاتبة سورية