ركام حمص


 

 

ومشينا في ركام حمص

مدينتنا التي تئن

في يوم من أيار

هواؤه شديد وشمسه ساطعة.

الدمار يبعث في النفس الأسى والشجن والجلال

وسكينة قهرية.

أمسكتِ يدي في محاولة للدفاع عن النفس

وطلباً للأمان.

هناك عند كنيسة الكاثوليك

حيث العمال المنهكون عند قبة الكنيسة

ذات النوافذ البيتونية

كانت العذراء ترشُّ الماء

وعند جامع الشيخ كامل

تُرفَعُ أحجار البازلت المكعَّبة

حجراً فوق حجر

يرفعها ما تبقى من بشر.

تسمع أصوات رشاش بعيدة

يلتفت العمال إلى مصدر الصوت

وأسرقُ قبلة.

لا شيء في شوارع حمص المدمَّرة

سوى صفير الريح

وخشخشة الصفيح المتهالك

الذي يئنُّ ويتوجع.

عند بيتكِ المهدَّم

ثم عند بيتي المحطَّم

لا شيء سوى الذهول والبكاء

وقبلة طويلة

تصبح فيها الشفاه خميلة

نتلفَّتُ خشية الحواجز البغيضة

أو دورية راجلة

نلتقط صور حمص القصة

ونقهر غصَّتنا بالقبلات.

على الأرض أقعينا لمرات

نتأمل سجادة صلاة نصف محروقة

أدوات مطبخ مبعثرة، كتب أطفال

أسرَّة عشاق محطمة

صور العائلات التي بال عليها الأوغاد

علبة سيريلاك فارغة

ورود من البلاستيك مُغبرَّة.

لا شيء سوى صفير الريح

صفير يشبه موسيقى الجنائز.

ضممتك إلى صدري

حدَّقنا في السماء الزرقاء

لم يكن ثمة عصفور أو فراشة.

وهناك في الخالدية

حيث بالكاد تعرَّفنا 

على دكان أبي علي البسيكليتاتي

وبقالية القطة

وكُتَّاب الشيخ سعيد

بكينا بحرقة.

ضبطتنا دورية راجلة نتأمل الدمار

الجندي القصير المنتفخ الأوداج

سألني بنزق

عما نفعل وسط الركام

قلت: نبحث عن شال أخضر

فقدناه هنا، بل أضعناه.

ضحك الجندي القصير المنتفخ الأوداج ملء الشدقين 

وضحك من معه

نَقَلَ الجندي سلاحه من يده إلى كتفه

قال لي مشيراً إليكِ

- من تكون؟

حدقتُ طويلاً في وجهه

حدقت طويلاً جداً

- إنها حبيبتي... حمص حبيبتي.

عندها انسحب الجندي القصير

لكن بلا أوداج.

 

 

عبد الكريم عمرين

شاعر ومسرحي سوري

Whatsapp