اختار بعض الفنانين في محافظة إدلب رسم لوحاتهم الفنية على الجدران، وقد عرف هذا الفن ب"الغرافيتي"،وانتشر بشكل كبير في الشمال السوري خلال سنوات الحرب، بهدف مواكبة الأحداث، والتعبير عن هموم الأهالي وتطلعاتهم، وأملهم بتحقيق أهداف ثورتهم، وبعث رسائل إلى العالم لسماع صرخاتهم ومطالبهم.
الفنان عزيز الأسمر (48 عاماً) من مدينة بنش بريف إدلب شمال سورية، اختار رسم لوحاته الفنية على الجدران المهدمة والآيلة للسقوط، يتحدث لإشراق عن الهدف من رسوماته بالقول: "أسهم القصف من قبل النظام السوري وحلفائه في تحويل إدلب إلى دمار ومبان متهالكة، لذلك أردت بث الحياة فيها من خلال عدد من الرسومات واللوحات الفنية، لتخليد معاناة الأهالي، وتغيير الصورة النمطية للثورة السورية، والتأكيد على أننا شعب يحب الفن والحياة والسلام ."
يؤكد الأسمر أن الثورة السورية والقضية الفلسطينية تشكلان محور اهتماماته، حيث يقف على قضايا الحرب السورية، ويتابع قضايا الحياة السورية اليومية من غلاء وفساد، وقضايا الظلم والإنسان في كل مكان، ويركز في اختيار مواضيع لوحاته على القضايا الإنسانية في العالم، وعن سبب اختيار الأماكن المدمرة للرسم عليها يضيف: " الجدران المدمّرة كفيلة بإيصال الرسائل على نحو أفضل، ولأن الرسم على الجدران المهدمة جراء القصف يحاكي هموم الناس ويلامس أفئدتهم ويعبر عن قضاياهم ."
رسم الأسمر عشرات اللوحات التي جسدت ألم السوريين ومعاناتهم مثل الاعتقال والتعذيب والتهجير والقصف والنزوح، ومن اللوحات التي رسمها الفنان هي لوحة الطفل السوري كريم الذي فقد عينه بالقصف الذي طال منزله في الغوطة الشرقية، والطفل السوري الذي أصيب في قصف للنظام فبترت قدميه وصار يستنجد بوالده، وأخرى للمصور الفلسطيني "معاذ عمارنة" الذي فقأت القوات الإسرائيلية عينه أثناء تغطيته الإعلامية، وغيرها الكثير.
كمال العبد الله (33 عاماً) من ريف إدلب الشمالي، يتابع الرسومات الجدارية، وعن ذلك يقول لإشراق: "حين أتأمل اللوحات المرسومة على الجدران المهدمة أتذكر أن تحت هذا الركام قصة شعب ذاق الويلات حين طالب بالحرية، وأعتقد أن هذا الفن يتحدث عن ذاته، ويوصل الرسالة بشكل أكثر واقعية، ويثير الإهتمام، لذلك نتمنى أن يصل تأثيره إلى جميع أنحاء العالم للتضامن مع قضيتنا ."
كما خصص بعض الفنانين رسوماتهم للأطفال، بهدف بث الفرح والأمل في نفوسهم، وإبعادهم عن مشاهد الدمار من خلال تزيين جدران مدارسهم برسومات عن أهمية العلم والمعرفة والصحة، وكتابة عبارات عن النظافة وتنظيم الوقت.
الفنان أيهم حاج حسين من مدينة سراقب، يستثمر مهاراته في الرسم لإسعاد الأطفال السوريين الذين دفعوا الثمن الأكبر للحرب، وعن ذلك يقول: "أرسم الشخصيات الكرتونية المحببة للأطفال على الجدران، وأحول الكآبة إلى لوحة زاهية مزركشة بالألوان، تنمي الذائقة البصرية للأطفال، وأسعى دائماً لنيل ابتسامتهم، وأشجعهم على تنمية مواهبهم من خلال السماح لهم بالمشاركة في تلوين بعض الرسومات ."
وقد اختار بعض الفنانين الرسم على الجدران لنشر الوعي من وباء كورونا الذي شغل العالم، وشكل خطورة كبيرة على الأهالي والنازحين في إدلب بسبب ضعف القطاع الطبي، إلى جانب التحذير من مخلفات الحرب من ألغام وقذائف غير منفجرة، وضرورة المحافظة على المياه من الهدر.
أما الفنان التشكيلي مصطفى ديب (42 عاماً) من مدينة أرمناز بريف إدلب، فبقي محافظاً على فن "الرسم بالطين" الذي عشقه منذ طفولته، فهو يعتبره وسيلته الوحيدة للتعبير عما يجول في خاطره، وبعد اندلاع الثورة اتخذ فنه أداة للتعبير عن الواقع السوري من قصف ودمار، وما يقاسيه النازحون في الخيام، ليوصل رسائل للعالم عن معاناة السوريين والظلم الواقع عليهم، وعن ذلك يقول لإشراق: "الطين أصل الإنسان، والفن رسالة يجب أن نؤديها، لذلك أستلهم مواضيع لوحاتي من واقع يومي نعيشه، وأتطرق إلى قصف نظام الأسد على الأحياء السكنية، ودمار المنازل، ونزوح الناس إلى المخيمات."
يسعى فنانون في الشمال السوري لمخاطبة العقول والنفوس، ومحاربة الظلم بالريشة والألوان، حيث جعلوا من الطين والجدران المنهكة مساحة للتعبير عن الصمود، ورفض الظلم، وحب الحياة.
سونيا العلي
صحافية سورية