انتصار طالبان: درس أفغاني أم رسالة أميركية ؟


 

بعد انهيار الإتحاد السوفياتي وتفككه منذ مطلع عام  1990 وانحسار الفكر الشيوعي، بدا للعالم أنّ الرأسمالية التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية هي التي ستسود وظهر حينها مفهوم القطب الواحد بعد أن كان العالم قد اعتاد على نظام القطبين الذي رأى فيه الكثير  أنّه يؤمن الاستقرار ويمنع نشوب حرب على غرار الحربين العالميتين، وهذا ما دفع المفكر الأميركي من أصول يابانية ( فرانسيس فوكوياما) إلى القول بنهاية التاريخ في كتابه " نهاية التاريخ والإنسان الأخير" وأن الديمقراطية الليبرالية هي أفضل ما أنتجه الإنسان ولم يعد هناك شيء اسمه صراع الأيديولوجيات، الذي ردّ عليه أستاذه عالم السياسة والمفكر الإستراتيجي الأميركي (صموئيل هنتنغتون) في كتابه " صراع الحضارات" الذي أكّد فيه بأنّ الهوية الثقافية والتي تعني الهوية الحضارية هي التي تشكّل نماذج التماسك والتفكّك وبالتالي الصراع في عالم ما بعد الحرب الباردة.

جاءت أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 بضرب برجي التجارة العالمي في نيويورك لتؤكّد ما ذهب إليه هنتنغتون وأن الحضارة الإسلامية هي الهدف، فجرى تشويه الإسلام فكراً وثقافة وحضارة وممارسة من خلال ربطه بالإرهاب لتبرير الحرب عليه وكانت البداية من أفغانستان لضرب العالم الإسلامي وسحق هويته، رغم استثمارها في محاربة الاتحاد السوفييتي الذي خرج مهزوماً من أفغانستان وكانت بداية النهاية.

مضت عشرون عاماً على غزو أفغانستان من قبل التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأميريكية، والذي تبعه غزو العراق ومن ثم ضرب الربيع العربي ومنعه من تحقيق أهدافه في القضاء على الإستبداد والوصول إلى الديمقراطية والتخلّص من العسكريتاريا التي حكمت الجمهوريات العربية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية تقريباً، ومن ثم ضرب الإسلام من داخله بالإعتماد على الخنجر الصفوي الذي تبنته إيران "ولاية الفقيه" لتحويل الصراع في المنطقة إلى صراع طائفي ينهي الطرفين، لذا كان لابدّ من خلق ميلشيا "سنيّة"  دموية توازي دموية الميليشيات الشيعية فكانت "داعش" من أجل تدمير المجتمعات الإسلامية وتفكيك روابطها وجعلها تعيش على أنقاض أوطانها بلا مقوّمات حضارية ولا حتى معاشية، كجماعات هائمة على وجهها تبحث عن أشلاء حياة في بلاد اللجوء.

كانت طالبان بمنأى عن تلك الأحابيل فلم يستطع الغرب اختراق المجتمع الأفغاني لخلق تلك الجماعات المتطرفة، إذ كانت طالبان أكثر تجذراً على الأرض ولا يمكن لداعش أو غيرها أن تجد لها موطئ قدم على الأرض الأفغانية  لحرف الصراع مع المحتل الأميركي، فكانت الطريقة الوحيدة هي محاولة تزيين المفاهيم الغربية المدعومة بمظاهر الحضارة المدنية، وإعطاء المرأة فسحة إضافية من الحرية الشخصية، لتبدو أنها تقدم نموذجاً للحياة العصرية مقابل النموذج الطالباني" المتخلّف" على حدّ زعمهم.

منذ اللحظة الأولى لإعلان الرئيس الأميركي (جو بايدن) عن انسحاب قوات بلاده من أفغانستان، انهارت القوات الحكومية ولم تبد رغبتها في الدخول في اقتتال داخلي قد يسمح بتدخّل جماعات تحوّل الصراع إلى حرب طائفية نظراً لوجود " الهزارة" ثالث أكبر مجموعة عرقية في أفغانستان والتي تعتنق المذهب الشيعي، وهذا يحسب لطالبان التي استطاعت على مايبدو  أن تبعث برسائل طمأنة  ساهمت في سرعة سيطرتها على معظم الأقاليم، ثم خرجت تصريحات زعيم طالبان "هبة الله أخوند زادة" التي تؤكّد تأييده بشدّة لتسوية سياسية، وكان قد سبق ذلك قرارات العفو عن جميع الموظفين والعسكريين الذين تعاملوا مع الأميركان طوال فترة الإحتلال، وحق المرأة في التعليم الأمر الذي سحب البساط من أي محاولة لتفجير الوضع من الداخل، وخاصة ما يسعى إليه الرئيس الفرنسي ( ماكرون) للعب دور في القضية الأفغانية من خلال إستقباله في الأليزيه لأحمد مسعود ابن أحمد شاه مسعود زعيم جبهة المقاومة الوطنية في وادي بانشير التي أعلنت استعدادها لمقاتلة طالبان.

إنّ الرسالة الأميركية للمنطقة بأنّها على استعداد للتعاطي مع الطرف الأقوى مهما كانت خلفيته العقائدية وهذا يعكس البراغماتية الصارخة للسياسة الخارجية والتي ترسم طبيعة العلاقات الدولية في المستقبل، وبأن أميركا ليس لديها تحفظات أو خطوط حمراء أبدية وماكان بالأمس" إرهابياً" يمكن أن يصبح مقبولاً اليوم، تلك الرسالة التي سيلتقطها ( الجولاني ) ليحجز مقعده على طاولة المفاوضات حول مستقبل سورية، وكذلك سيفعل " الحوثي" في اليمن، بعد أن تحقق الهدف وهو تدمير جناحي الأمة الشام واليمن.

 

 

ياسر الحسيني

كاتب سوري

Whatsapp