تقع "دار أجق باش" عند أول بوابة الياسمين في "الصليبة" في "حي الجديدة " الواقع شمال غرب "حلب" خارج أسوار المدينة القديمة. ويعود بناؤها إلى منتصف القرن الثامن عشر وتحديداً إلى عام /1758م/ وكانت عائلة "قره آلي" تملكها ثم آلت إلى عائلة" أجق باش" وقد نُسبت إليه الدار. تمتاز هذه الدار بزخرفة جدرانها الداخلية المطلة على صحنها وقد صنعت بأشكال هندسية نافرة ورائعة الجمال تذكرنا بفن "الروكوكو" في" أوروبا"، وهو نمط من العمارة يتميز بكثرة استخدام الزخارف. حيث تأثر معماريو" حلب" وبنّاؤوها بأسلوب البناء الغربي نتيجة موقع حلب التجاري وسفر التجار بشكل متواصل إلى "أوروبا". وقد ساعدت نوعية الأحجار الكلسية البيضاء الموجودة في "حلب " المعمار الفنان في تسهيل عمله وتمكينه من نقش هذه الزخرفة الفريدة وحفرها.
هذه الدار لا تختلف من حيث المبدأ عن سواها في "حي الجديدة " فهي تتألف من صحن الدار وفسقية ماء تتوسط الصحن، وبسبب قلة المياه في "حلب "يوجد بجانب الفسقية صهريج ماء يتم جمع المياه فيه وتزويدها به وتجديده باستمرار. سقف الإيوان سقف خشبي مزخرف مرتفع وملون بألوان رائعة تحيط به كتابات تمثل حكماً مختلفة مستعملة في الحياة اليومية بحيث أن الجالس في الإيوان لا يشعر بالملل فإما أن ينظر أمامه إلى الفسقية ويستمع إلى صوت الماء العذب، أو أن يتكئ في مجلسه وينظر إلى الأعلى ويتسلى بقراءة الحكم. ويعتبر القبو من أساسيات البناء وهو واسع وفيه فسقية وكان يستخدم كثيراً من قبل أهل البيت ولذلك كانت جدرانه سميكة وتتألف من طبقتين من الحجر يفصل بينهما فاصل بسعة /15-20 / سم يُملأ بالحجارة الصغيرة المعروفة عند معماريي "حلب" باسم" البلوكاج"، وبفضل هذا التصميم استطاع المعمار الحلبي أن يتجنب حرارة الشمس المحرقة في الصيف وبرودة الطقس القارص في الشتاء، لذلك نرى القبو دافئاً شتاءً ورطباً صيفاً ويحتوي القبو على مصطبات للجلوس وفيه درج يؤدي إلى منارة تقع أسفله محفورة بالصخر تستعمل للمؤونة. غرفة الضيوف تقع في الجهة المقابلة للإيوان، وتتميز بسقفها الخشبي المرتفع المزخرف والملون بألوان رائعة تتداخل معها رسوم بماء الذهب تضفي على المكان فخامة وجمالاً، ويتوسط السقف خمسة ثعابين خشبية ملتفة حول بعضها لدرء العين الشريرة وتحيط بالسقف كتابات رائعة. جدران الغرفة مكسوة بالخشب المشغول بطريقة رائعة أما الأرضية فهي ذات منسوبين: المنسوب المنخفض عند المدخل ويسمى العتبة وهو عبارة عن سجادة من المرمر الملون والمرصوف بأشكال هندسية جميلة أما فائدة العتبة فهي تدوير الهواء البارد الداخل في أسفل الباب وتسخينه. والمنسوب المرتفع وهو ذو المساحة الأكبر فيسمى الظهر وعليه يوضع طقم الجلوس، على يمين ويسار الإيوان غرفتان سقفهما من الخشب المزخرف الشبيه بسقف الإيوان وجدرانهما مكسوة بالخشب المشغول. في صدر الإيوان غرفة عادية بسيطة سقفها من الخشب المبروم. يوجد غرفتان الأولى من الجهة الغربية والثانية جانب غرفة الضيوف، سقفهما من الخشب المبروم وأجزاء من جدرانها مكسوة بالخشب. في الطابق الأوسط يوجد غرفتان صغيرتان أرضيتهما من الخشب. في الطابق الأول غرفة وحيدة كانت تسمى المربع وهي غرفة بسيطة سقفها من الخشب المبروم، يعتقد أنها بنيت بمرحلة لاحقة. السيدة "ميرالدا مشاطي" أمينة "متحف التقاليد الشعبية" التي حدثتنا عن الدار وعن متحف التقاليد ومحتوياته قالت: «كلمة "آجق باش" كلمة تركية تعني حاسر الرأس لأن صاحب الدار كان يعمل بالسفارة التركية ويذهب إلى عمله دون أن يلبس غطاء الرأس المعروف آنذاك باسم "الطربوش"، وهذه الدار هي حالياً متحف التقاليد الشعبية حيث قامت المديرية العامة للآثار والمتاحف بتسجيلها في عداد الأبنية الأثرية الواجب الحفاظ عليها بالقرار رقم "157/أ تاريخ 13/12 /1968" وقامت المديرية العامة باستملاكها عام/ 1979/ وبدأت بإخلاء السكان وترميمها تمهيداً لتحويلها إلى متحف، وقد افتتح المتحف في عام /1982/، تم اكتساح الجزء الشرقي من الدار حين تعريض الشارع المؤدي في ساحة الحطب إلى بوابة القصب. وأهم جزء في البيوت الحلبية الضخمة هو الإيوان، بالعامية (ليوان) وهو عبارة عن قاعة مرتفعة السقف محاطة بثلاثة جدران يتجاوز ارتفاع سقفها طابقين وبذلك تتسامى فوق واجهات صحن البيت وترتفع أرضية الإيوان حوالي/40/ سم عن سوية أرضية الصحن لذلك يستعان بالإيوان بدرجة من الحجر ليتمكن المرء من الدخول إليه، وفي الإيوان يستريح الإنسان صيفاً بعيداً عن أشعة الشمس الحارقة، ويقع الإيوان في جنوب الصحن بحيث لا تصله الشمس أبداً. ونجد في الإيوان إطاراً بديع الزخرفة ربما كانت توضع فيه صورة الأب. وقد وزعت معروضات متحف التقاليد الشعبية في الدار على الشكل التالي: الغرفة الأولى تحوي جهاز العروس المؤلف من قماش مخمل عليه قطع من الفضة المنقوشة بشكل جميل إضافة إلى ثياب العروس وبعض الأشغال اليدوية القماشية والحلي والفضة. ثم القاعة الرئيسة المعدة للضيوف وتتألف من مد مصدّف وهومن النوع الدمشقي، وسجادة عجمية كبيرة ذات ألوان بديعة، وصندوق لوضع جهاز العروس، وهو من الخشب المصدّف إضافة إلى أواني ولمبات مذهّبة. ثم يأتي القبو وفيه مشهد لغرفة الجلوس معروض فيه بعض الأواني النحاسية. ثم غرفة للمد العربي القروي ويتألف من فرش متوضعة فوق البساط على الأرض لتمضية الأمسيات والسهرات وشرب النراجيل بالإضافة إلى منقل كبير يتوسط الغرفة يستعمل للتدفئة ومنقل صغير لعمل القهوة العربية وملعقة كبيرة لتحميص البن ومن ثم طحنه بـ"المهباج ". ثم غرفة خصصت لعرض أنواع الأسلحة المستخدمة آنذاك وتتألف من بواريد ورماح وسيوف وخناجر ولبعض البواريد مسكات من الفضة، بالإضافة إلى علب لحفظ مادة البارود، كما عرض لباس فرسان محاربين مؤلفة من دروع حديدية وقبعات لحماية الرأس وبعض عدد لزوم تجهيز الحصان. ونجد أيضاً غرفة عرضت فيها نماذج من الأدوات النحاسية المؤلفة من أباريق ومطعميات وأدوات الطبخ. وغرفة عرضت فيها آلات للتصنيع اليدوي مثل النول لتصنيع الأقمشة وقوالب لطبع الزخارف الملونة على الأقمشة وآلة جلخ لشحذ السكاكين، وآلة لسحب الخيوط الفضية والذهبية وبعض المكاوي القديمة وماكينات الخياطة وآلة لكي الطرابيش. وهنا أيضاً غرفة للحلاق تتضمن كرسي الحلاق والطاولة الخاصة به مع أدوات الحلاقة، وغرفة صندوق الدنيا تتضمن صندوق الدنيا وآلة عرض سينمائية قيمة وآلة تصوير، ومشهد "لكراكوظ وعيواظ". حين وصلنا إلى الغرفة الأخيرة في الطابق العلوي أشارت السيدة "ميرالدا" أنها مخصصة للإدارة حالياً، حين دخلناها وجدنا فيها بعض المرايا القديمة التي لم نرها في حياتنا سوى عند الجدات.
د. محمد جمال طحان
كاتب سوري