الحقوق والأيديولوجيات 


 

من يقرأ في تاريخ الأيديولوجيات يعرف بقدر اطلاعه وقدرته على تحليل ميكانيك هذه الأيديولوجيا أنها تتحدث في الحقوق الفردية والجماعية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية أيضًا.

التحول هنا أن الأيديولوجيا تتحدث في المبادئ الإنسانية والقيم العليا فهي توصف القدر الإنساني والاحتياج في تطبيقها، ولديها مهارة التركيز في الحقوق التي يطالب بها الإنسان في أي مجتمع كان، سواء على سبيل المثال حق العمل والتنقل والتعلم وممارسة الشعائر الدينية والحديث عن الحقوق ووضع فلسفتها وكيفية الانتصار لها وتحقيقها للأفراد والجماعات والحقوق التي لها جوانب من العدالة وكل من يشترك في هذا الحق يرى جانب العدالة الأكبر إلى جانبه.

السياق عميق وبقدر ما تتمكن من تبسيط أشكاله بقدر ما تفكك الخلافات القائمة والمتوقع حدوثها، لكن الأيديولوجيات تعطي تراكيب مركبة في الحقوق لأن الأيديولوجيات تخلق في ظرف زماني معين وبعد مكاني وله منظرون ومتحدثون أوائل وتعلم حتى في أدق التحليلات العلمية والفكرية، فإن الأنا للعالم والباحث والمُنظَّر تظهر مهما طبق شروط الحيادية وإبراز اللاأنا في مساحة الأيديولوجيا، والتناقل الأيديولوجي وهو يحمل الحقوق عبر الزمن، يتغير حتمًا ويأخذ تأويلات أبعد وتصبح كرة الحقوق مثقلة بكم الكلمات والهالات حولها من إيجابية وسلبية وأحقية الشعوب والجماعات وبخس البعض الآخر منها تصبح الحقوق هي امتياز وهي معضلة لمن.

ويروج الواقع إلى الفهم والأخذ الكلي للحقوق والأيديولوجيات معًا وإلا أنت تأخذ ببعض الكتاب وتكفر ببعض الكتاب هل هذا معقول؟؟

 وهل يجب أن أكون نسوية بالمطلق وأنا أدافع عن حقوق النساء الاجتماعية والسياسية؟

ماذا لو أنني أريد الدفاع عن حقوق العمال والفلاحين في بلادي فهل يجب أن أكون اشتراكية؟

ماذا لو أريد حرية ممارسة شعائر الدين الإسلامي هل أصبح عندها إسلامية؟ 

وهل يصبح التعقيد بأنك لا تملك الحق إلا بعد امتلاك الأيديولوجيا ويصبح الحق مرهون لها وماذا لو اندثرت تلك الأيديولوجيا هل يذهب الريح أيضًا بالحقوق والمطالب التي نادت بها والتي كتبت لها ؟ 

في ظل هذه التقاليد السياسية فإن الإيديولوجيا هي أم التقاليد السياسية ونعلم بأن الكثير من أفراد مجتمعات العالم هي لا تقرأ في السياسة ولا يرنو إلى ذهنها الإمعان بها لأسباب كثيرة منها أن ليس لجميع الناس ذات الشغف في علم واحد ولها أعمال أخرى ونشاطات أخرى في طبيعة تعلمهم، عدا عن خوفهم مع مرور الزمن من تعاطي المبادئ السياسية بسبب الغول الذي رسمته الديكتاتوريات في أذهان الشعوب التي حكموها وأبقوهم في الدوائر المغلقة من السعي وراء خطوط حياتهم التي حددوها قبل أن يروا النور في تلك الحياة.

حينما يكون هناك متسع من الحريات في مكان ما فإن  الحاجة إلى التنوير وفهم المقاصد السياسية لن يذهب إليه جميع الناس، فإنك تقكر مليًا: ماذا نحتاج من الوعي لخلق الطريق وفهم المقاصد السياسة والأيديولوجية أم نريد الطريق نفسه لكي نذهب إلى مقاصدنا.

هنا يصبح التعقيد عندما ننادي بحق ما فهل ننادي بالإيديولوجيا التي حملتها؟

نحن نعلم التجارب الإنسانية كيف تطفي روحها وخسائرها وخوفها على العلوم الإنسانية التي نظمتها عبر العصور.

هي تريد الحق ولكنها تخاف من الأيديولوجيا ولكن الحق موجود وهو النور الذي يريده العاثر والحق هو فطرة الإنسان للبقاء والنمو والتقدم.

الحق هو قبضة الإنسان لروحه من الأمان والسكينة والأمل، مَن الأولى الحق أم الأيديولوجيا؟

وهل التنظيم الأيديولوجي على أساس الحقوق وجلب الإنسان مكرهًا إليه جيد؟

وهل يتحول الحق إلى مصلحة يساوم بها المرء نفسه وروحه؟ أم أن الحق فوق الأيديولوجيا ؟

هل نستطيع تفكيك منظومة الحقوق والأيديولوجيات بطريقة تجعلنا أكثر إنصافًا لكي نفهم ما نتبنى ولكي لا نتهم غيرنا عبثًا وزورًا علينا أن نقرأ لنحكم ليس الكتب فقط بل وجهات النظر والسطور وردات الأفعال وندرس سياق كل جماعة سياسية كانت أو ثقافية أو نسوية أو اقتصادية. ماذا تريد بالضبط وماذا تفعل في النواحي المجتمعية والفكرية والفلسفية؟ هل تبحث عن الحق وتناصره أم تبحث عن الأيديولوجيا وتنصرها أم تريد الحق والإيديولوجيا معًا.

القراءة تحتاج إلى عقل وقلب وضمير وتحتاج إلى أحكام متجددة لا إلى أحكام مسبقة والحق والإيديولوجيا أيضًا ينطبق عليها هذا الجانب بتركيز وفهم عالٍ في كيف أقرأ وكيف أحكم، لأن الهدف النهائي هو أن تعرف ماهي الحقوق لأنها منظومة العدالة والسلام لكل إنسان فهي تجنبه الشعور بالحقد والألم والدونية وتجنب المجتمعات الصراعات والنزاعات.

 

 

ملك توما

كاتبة سورية

Whatsapp