امرأة في القطار


 

 

تعرّفت على امرأة في القطار وتحدثت إليها ربع ساعة دون أن أسالها عن اسمها، (ولم تستغرب). 

لم أعد أذكر إلى أين كنت اتجه أو على الأقل ماذا كنت أفعل داخل القطار، فأنا لا أحب السفر ولم أسافر من قبل لكنني أحلم دائماً بأشياء لا أقوى عليها في الواقع، أحلم بأنني أسافر، وأحلم بأنني عائد من السفر دون إخبار الأصدقاء كي أنقر على شبابيكهم في منتصف الليل.

كل ذلك كان مجرد أحلام أتمرّن عليها في التنقّل على الخارطة بهدوء وحرية وأنا أحرّك النقطة الحمراء على خرائط غوغل في أصعب الاتجاهات، لكنني لا أصل إلى أية نقطة، وحين تسألني الخارطة عن اعتماد موقعي الحالي كنقطة للانطلاق أُدرك أنني لم أتحرك منذ عقود.

كنت أهرب وكل ذلك السفر كان هروباً لذلك لم أحظ بمتعة السفر وقراءة الصحف في القطارات المكيفة والطائرات العملاقة، لم أجرب في حياتي متعة الجلوس على مقاعد الدرجة الأولى، كنت سأفعل مثلهم،  أفتح  كتاباً وأراقب بحواسي نظرات الجالسين على مقربة منّي دون أن أرفع رأسي عن الكتاب، لا أحب الدرجة الأولى سأشعر بأنني غريب بينهم والمرة الوحيدة التي اقتربت فيها من الدرجة الأولى كانت في القطار الليلي الأوربي الذي يجوب كل عواصم أوربا،  اختبأت  تحت مقعدٍ من المقاعد العريضة  وكان ذلك يوم هروبي من البرتغال إلى إسبانيا ولم يكن معي  كتاب،  لم أر نظرات الناس نحوي (أقصد سكّان الدرجة الثانية)، أمّا نزلاء الدرجة الأولى فكنت أرى احذيتهم فقط ورأيت مسماراً في حذاء امرأة أربعينية جميلة وكانت الوحيدة بين الجموع لا كتاب في يدها أو جريدة، كانت تتأمل الغابات  وكان المسمار  غارزاً في لحم قدمها  لكنها على ما يبدو كانت مصرة على المضي رغم الدم والألم. 

في النقطة الحدودية عاملني رجال الشرطة معاملة مجرم وبدأوا يبحثون في ثيابي عن السلاح والمخدرات والعملة المزورة والأحجار الثمينة والساعات الفاخرة، لكنهم لم يعثروا على شيء، بحثوا عن لوحات سُرقت من اللوفر قبل مئتي عام، بحثوا عن قطع أثرية، بحثوا عن المدافع والطائرات الحربية وعندما لم يعثروا على شيء رموا بي خلف حدودهم بأمتار ومضوا.

 الإنسان الحر لا يستطيع السفر عبر العالم، غير مسموح له بهذا الامتياز، أن يقف بابتسامة ويظهر وثيقة سفره التي تعادل قوتها قوة طائرة حربية، الإنسان الحر ينزح، يهرب، يجرّب بجسده ألغام الحدود ويعلق قميص أمّه على الأسلاك الشائك. 

الإنسان الحر يحلم كثيراً ويعيش وحيداً ويموت بعيداً حتى أنه لن يدفن في وطنه.

 

 

محمد سليمان زادة

كاتب وشاعر سوري

Whatsapp