لماذا أنت هنا؟ عد من حيث أتيت 


 

لم أصدق أذني وأنا أسمع كلمات جامدة وكأنها جبلت من رصاص بارد اغتالت ما تبقى في داخلي من روح ( لماذا أنت هنا ؟) !!. كنت أعتقد أنّ صور أشلاء الأطفال المتناثرة بين ركام البيوت المدمرة قد سبقتني إلى هنا، لتجيب بالنيابة عني على هذا السؤال، أو لعلّ صور "قيصر" التي باتت معرضاً دائماً في الكونغرس الأميركي تجيب، أو على الأقل صور ضحايا الكيماوي في الغوطتين ومقاطع الفيديو التي نقلت للعالم آخر أنفاس متشنجة تلفظها الضحايا قبل أن يسلموا الروح .

بعد عشر سنوات من القتل اليومي بكلّ صنوف الأسلحة، وأشكال الموت القديمة والمبتكرة ، يقفز إلى ذهني تساؤل أدخل في نفسي الذعر :( هل العالم حقاً لا يدري ماذا حلّ بنا؟).

إذن ستموت قضيتنا لأنها بالأساس غير موجودة بالنسبة للآخرين، وقد نتحول فجأة إلى سائحين طال مكوثنا في المكان ولابدّ أن نغادر .

يا أيها الناس أنا كالنبتة التي اقتلعت من تربتها ومازالت جذوري معلقة في الهواء تكاد تجف ويعتريني اليباس، والسؤال الذي يجب أن تسمعه أذناي هو ماذا تحتاج ؟ وليس لماذا أنت هنا؟ 

لاجئون ومهجّرون هائمون على وجوهنا تبتلعنا أمواج شتّى (في أعماق البحر أو في أعماق القسوة والجشع البشري)، تتلقفنا دول وتأخذ حصتها منا لترمّم نفسها وتسدّ العجز الذي أصابها، ثم تغلق في وجه من تبقى الباب، وقد تضطر إلى قنصه إن أصرّ على الدخول.

حوار دار بين فتاتين في اسطنبول إحداهما سورية وتناقلته وسائط "السوشيال ميديا" توضّح تماماً مدى تغييب قضيتنا عن المجتمع التركي إلى الدرجة التي بات ينظر إلينا كعبء ثقيل يزاحمهم في كلّ شيء ويسرق منهم فرص الحياة.

صديقي في ألمانيا وجد نفسه في ورطة وقد انقلبت الأمور، فبدل أن يمارس دوره في مساعدة أطفاله بالدروس أصبح ينتظر منهم مساعدته في تعلم اللغة الألمانية، وابني الذي كان يحلم أن يصبح مهندساً مدنياً ترك مقعده في الجامعة وانخرط في سوق العمل فيما زملائه الذين وصلوا إلى أوروبا مازالوا يتعلمون لغة البلد الجديد.

هل فشلنا في إيصال معاناتنا للمجتمع المضيف؟ أم أن الإعلام لم يفعل ما يتوجب عليه لإظهار حقيقة مأساتنا؟ أم أن الجهات التي تمثلنا لم تستطع أن تمدّ جسور التواصل مع المجتمعات المضيفة لتشرح قضيتنا؟. أسئلة أهرب إليها لأجد مبرراً يقنعني بأن ما سمعته كان سؤالاً عادياً بريئاً لا يحمل في طياته معان أخرى.

حتى المنظمات الدولية التي هرعت لمساعدتنا تبين أنّها تسعى لضمان مرتبات موظفيها لا لضمان مستقبل من جاءت لأجلهم، فتحولنا إلى سلعة يتاجر بنا في سوق العمل ومهربي البشر ولصوص النهار وتجار الأعضاء البشرية، ومادة سياسية تستخدمها أحزاب المعارضة كلّما أرادت أن تخوض معركة انتخابية حتى ولو كانت على مستوى بلدية.

مدير إحدى المنظمات العاملة على مشاريع لمساعدتنا، يدفع من مرتبه قسط سيارته المرسيدس 50 ألف ليرة تركية شهرياً، ترى كم يتقاضى في الشهر؟  ولعل الشريحة المستهدفة لمنظمته لا تتجاوز كلفتها الشهرية قسط سيارته الفارهة.

نعم نحن من تسببنا بالاضطراب البيئي لكوكب الأرض، وأذبنا جبال الجليد في القطبين وكنّا السبب المباشر في حدوث الركود الاقتصادي الشهير 2008، ونحن من نشر فيروس الكورونا في العالم، ولهذا كان لا بدّ أن يسمع جميع السوريين نفس السؤال الذي سيلازمني طوال حياتي " لماذا أنت هنا؟ ".

كم من الشعوب التي لجأت إلينا في الماضي وإلى زمن ليس بعيد، كانت بيوتنا مشرعة لهم ولم ننصب خيمة واحدة ولم يدر في خلد أحد أن يسأل لماذا أنتم هنا. هل لأننا تجرأنا على أحد ركائز النظام العالمي يفعل بنا هكذا؟ فليكن ولن نتخلّى عن الحلم وستشرق شمسنا شاء من شاء وأبى من أبى، فهذه الأثمان الباهظة التي دفعناها لن تذهب سدى، وتلك الأرواح التي مازالت تحوم في المكان بين الحطام وفي الأزقة الخاوية وعلى أرصفة الذكريات لن تهدأ حتى يسقط الطاغية وتختفي رايات الحقد الطائفي إلى غير رجعة.

 

 

ياسر الحسيني 

كاتب وإعلامي سوري

Whatsapp