أثر الهجرة على الهوية السورية


 

أكثر من جيل ولد وكبر في الخارج، ويعتمد للحفاظ على هويته السورية من خلال روايات الأهل لهم عن تراث وتاريخ سوريا وثقافتها، وتعليمهم العادات والتقاليد، حتى لا يفقدوا القيم والمبادئ التي عاشها آبائهم.

أما بالنسبة للسوريين الذين يسكنون في المخيمات وتركوا قراهم وبيوتهم مرغمين، فإن العدالة والمساواة وعدم التمييز تولد روح الإنتماء للوطن بالرغم من صعوبة ظروف المعيشة.

أما الوطن والوطنية أصبحت من الماضي وبات الكثير يستخدمها كسلاح للحصول على سلة إغاثية أو للتقرب من مدير مخيم أو مسؤول في أي مكان.

 

نظير علي العباس (34 عاماً) أبن مدينة كفرنبل، ولدت من أب وأم سوريين لأسرة مسلمة سنية، كان ولائي وانتمائي وعطائي لبلدي الأم سوريا و لمدينتي ، تعرضت لكثير من المنعطفات أثرت سلبا على هذا، إعتقال داخل السجن لشهور طويلة، من ثم القصف والتهجير القسري مما أجبرني على الهروب خارجاً وإعادة التفكير بانتمائي للهوية السورية في ظل حكم هذه العصابة، انتقلت الى مكان جديد وبيئة جديدة بطاقة شخصية جديدة، لا اقول لك ان هويتي السورية طمست..! لا طبعا ماتزال زكرياتي واصدقائي في مدينتي مرسومة في مخيلتي، اشتاق لهم واحن لهم، اشتاق لثلثي عمري الذي عشته معهم وفي مدينتي، يحزنني ان اطفالي لم يعد يذكرون اسم مدينتنا وهذا شيئ خطير جدا، احاول ان ابقيها في ذاكرتهم كي لا تطمس نهائيا، يحزنني أن لا يكون اسم مدينتي على بطاقتي الشخصية وان اطفالي يتعلمون بمناهج مختلفة عن تلك المتواجدة في مدينتي.

يا سيدي كل ارض تمنحك السلام والأمان والعيش الكريم لك ولعائلتك سيصبح انتماؤك لها واجب عليك، وأي أرض خرجت مطرودا منها مع مرور الزمن، وسوف تجف ينابيع الانتماء إن لم تكن لدي فستكون لدى أطفالي. 

 ((سنرجع يوماً))

 

أما السيد باسل المنصور (33 عاماً) هو الآخر أبن مدينة كفرنبل تأثر كغيره بالحرب السورية، يقول: "ولدت وترعرعت في كفرنبل، وغادرتها وهي جزء كبير من هويتي، وكوني لاجئ أو مُبعد أو مسافر أو مغترب فإن انتمائي إلى بلدي يشكل جزءاً من هويتي، وخلال فترة وجودي في سوريا كان هذا الانتماء محلي سوري، له طابع سياسي وأصبح طابع إنساني مع الخروج من سوريا، أعتبر نفسي فاعل في المجتمع المدني، وهو جزء من قضيتي، وقضيتي جزء من هويتي فأصبح التفريق ما بين الحياة المهنية والشخصية شبه معدوم".

وأبن جبل الزاوية نور الدين العبدو (30 عاماً) يحدثنا من بريطانيا، عن هويته السورية قائلاً: "أعتبر هويتي هي لوحتي الشخصية، والتي أضع فيها كل شيء أعتبره بالنسبة لي جيد أو مفيد أتغير وأتقلب حسب ما أراه مناسباً لبناء شخصية جديدة للتعايش مع أي مجتمع".

ويضيف: "أنا سوري، وهويتي متعلقة بمكان ولادتي، حيث حصلت فيه على جميع معتقداتي وأفكاري، نشأة في قرية بلشون بجبل الزاوية، وبكل وضوح أنا شخص قابل للتغير حسب البيئة التي أعيش فيها دون نسيان  آثار وتضاريس وثقافة قريتي".

 

أثر الصراع والثورة على الهوية

منذ عام 2011 حتى عام 2016 كان نظير ضد الهجرة من بلده ومدينته، بالرغم من هجرة عدد من رفاقه إلى عدد من الدول الأوربية، وهو مهجر في الوقت الحالي تهجيراً قسرياً داخلياً، يبعد عن مدينته التي هُجر منها، حوالي 160 كم، حيث تختلف العادات والتقاليد في المنطقة المقيم فيها حالياً (قباسين - منطقة الباب) عن عادات وتقاليد أهالي مدينته (كفرنبل). لقد تغيرت عليه الكثير من الأشياء وهذا التغير أثر بشكل مباشر على هويته، ربما بسبب الضغط النفسي أو ضيق الأوضاع المادية والشوق للمنزل والحي وأماكن اللهو.

على سبيل المثال بيوت العزاء في كفرنبل، حين يتوفى أحدهم، ويقيمون له عزاءً، كان جميع سكان المدينة يذهبون إلى العزاء وخاصة الأقرباء والأصحاب، أمّا في الوقت الحالي، بعد الهجرة، يسكن نظير مع عائلته في منطقة بعيدة عن بيت أخ له 38 كم، وعن بيت ابن عم له 120 كم، وأصبح قضاء الواجبات الأساسية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأحياناً يتفاداها سواء كان عزاء أو فرح بسبب بعد المسافات والانشغال بمصاعب الحياة المختلفة عن حياته السابقة.

 

لو كان وضع الصراع مختلفاً كيف سوف يؤثر على الهوية

قبل عام 2011 كان المركز الثقافي في مدينة كفرنبل يقوم بفعاليات وأنشطة بشكل أسبوعي، وكان نظير مع مجموعة من رفاقه يتابع ندوات ثقافية وأمسيات شعرية لكتّاب وشعراء من مدينة كفرنبل وريفها، درس نظير في ثانوية كفرنبل الصناعية ولم يحصل على شهادة التعليم الثانوية، لم يكن شاعراً أو كاتباً بل كل كان مهتماً بالشعر والمطالعة غير قادر على النقد والتقييم، ولكن بعد الهجمة الأخيرة على المنطقة والتهجير منذ عام 2019 إلى اليوم لم يحضر أي ندوة ثقافية، ولا حتى على الفيسبوك وذلك ترك أثر في هويته بشكل عام، ربما لو كان شاعراً أو كاتباً لما فقد هويته الثقافية وربما يمارس الكتابة والنشر على وسائل التواصل كبقية أدباء مدينته، فهو يعتز قبل كل شيء كونه مواطن سوري،

 

كان متطوعاً في إدارة المحروقات التابعة للجيش السوري، وكان يفتخر كونه سوري، ولكن اليوم هو نادم لعدم الهجرة من سوريا، فقد أصبحت الآن فرصة الهجرة ضعيفة بسبب وضعه المادي والتشديد الأمني على حدود الدول.

يقول نظير: "أنا مستعد أن أكون مواطناً في أي دولة في العالم تُقدم لي نصف حقوقي، وأعطيها كل طاقاتي".

 

أثر الهجرة في الهوية السورية بشكل عام

هو كمهاجر داخلياً أثرت الهجرة على هويته، على نحو الفقد فقد هاجر قسم من أصدقائه ولم يعد بينه وبينهم اتصال هاتفي منذ أكثر من 5 سنوات، وأحدهم قطع الاتصال ربما فقد هويته كسوري، يعتقد أنه أصبح مواطناً أوروبياً! وهناك بعض من أصدقائه يتكلمون عن اهتمام باللغة العربية في بلاد الهجرة، وهؤلاء يتواصل معهم بين حين وآخر، ويخبروه أنهم هناك يهتمون أيضاً بديانة اللاجئ، ويذكروه دائماً أنه مواطن سوري، وكأنه منتدب إليهم، ولا يفهمونه أنه أصبح مواطناً ألمانياً أو فرنسياً.

يقول نظير: "أنا أبعد عن  مدينتي 120 كم، نسيت إذا كنت في كفرنبل يوماً ما رغم أنها موجودة في قلبي".

وتعتبر السيدة سوسن الاحمد (37 عاماً) نفسها ضحية لتجييش قام به الفاعلين بالنزاع باستخدام الهويات والانتماءات ضد بعضها، وترى في أصدقائها انقسامات في كل مكان، التضييق و اختزال الهوية الذي كان له أثر كبير في هذه الانقسامات، ومع التقدم بالعمر وزيادة الفهم والمعرفة تعرضت سوسن بشكل أكبر لثقافات مختلفة لأناس مختلفين، وبدأت تكون قادرة على أن تغيير أفكارها.

 

العادات والتقاليد التي تمثل جزءاً من الهوية

نتيجة الواقع الذي فُرض عليه وعلى من مثله من سكان مدينته، فقدت العادات والتقاليد شيئاً من قيمتها، فلم يعد لها أهمية كالسابق.

مثلاً في الأعياد، في أول يوم عيد وهو في المهجر، يهنئ أمه وأبيه وأخواته عبر برنامج "وتساب" ويرسل إلى قسم من أصدقائه القريبين منه في المنطقة، وبعد ذلك يتابع حياته وروتينها، ولكن ذلك كان مختلفاً في المدينة قبل النزوح، هناك كان يُحضر للعيد قبل يومين، ويكون مسروراً كأنه طفل.

الأفراح مثلاً في كفرنبل كطقوس الأعراس، تتضمن احتفالاً مع الصديق سواء كان قريب أو بعيد ليومين متتاليين، حالياً يرسل البعض الكثير من الأصدقاء النقود (نقوط) وهي تعتبر مباركة ومساعدة مادية للعروسين، وهي من العادات الحسنة التي لا زالت ترافق الكثير من المُهجرين، لكن بدل الحضور يتم إرسالها مع شخص آخر.

يعتبر السيد وائل البيوش (41 عاماً) الذي يقيم في هولندا أن العادات والتقاليد تشكل جزءاً من هويته، يقول: "الطقوس مقتصرة على المطبخ السوري، الاستماع إلى بعض الأغاني السوري والتراثية، هناك صاحب مطعم فلافل سوري عندما أذهب من أجل الفطور عنده أجد أنه لا يزال محافظ على ذاك الجو الذي كان في سوريا، كالأغاني الصباحية لفيروز و وديع الصافي، أستمتع بهذه الأمور وأشعر معها بشعور جميل ولكن الهدف أكبر، الهدف أن تعود في المكان الذي كانت فيه، في الوقت الصحيح هناك تكون الطقوس أهم كالمسرحيات وهناك أيضاً ندوات أدبية وشعر ومثل هكذا أجواء لا تستطيع التخلي عنها، هي ترافقك وتصبح جزء من حياتك وهويتك". 

ويختصر نظير وصف هويته قائلاً: "مسلم سني وسطي، أنتمي تاريخياً لسوريا و لمدينتي، منفتح ومتقبل لأي تغير يحدث معي".

 

 

عمر علي الحسين 

كاتب سوري 

Whatsapp