بيان "عثمان كافالا" ومفهوم السيادة 


 

لم أكن أرغب في كتابة أي مقال عن الشأن التركي فهذا له أصحابه القادرين على الإحاطة به أكثر بكثير من " زائر قسري" يحمل صفة لاجئ تحت الحماية المؤقتة، لكن طبيعة الحدث استوقفتني وفرضت نفسها لتحوز على الأولوية عندما استعرضت مجمل الأحداث الراهنة التي تدور في المنطقة والمتلاحقة من هجوم رعاع حزب الله اللبناني على عين الرمانة في بيروت إلى المجزرة التي ارتكبتها ميليشيا النظام الأسدي في أريحا الذي أسفر عن استشهاد (14) ضحية مدنية وسط سوق شعبي أربعة منهم أطفال وامرأة، إلى اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف الفاضحة، إلى زيارة كبير حاخامات الخليج ( يعقوب يسرائيل هيرتسوغ ) إلى الرياض والإعلان عن إقامته بشكل رسمي في المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى العديد من الأحداث التي توحي بأن المنطقة قد أصبحت لقمة سائغة يلوكها الغرب الصهيوني ببطء شديد مستمتعاً بهذا الألم الذي تعانيه الفريسة ويريد الغرب لهذا الألم أن يمتد إلى مالانهاية.

في خضم هذا الاستقواء المتوحش المتخلّي عن كلّ أبجديات الدبلوماسية، يأتي بيان " عثمان كافالا" في 18أكتوبر/تشرين الأول من قبل سفراء عشر دول تطالب فيه احترام الديمقراطية في تركيا، وضرورة احترام سيادة القانون، والإفراج عن كافالا ( رجل الأعمال التركي) المتهم بالضلوع في مؤامرة إنقلاب 2016 وقضايا أخرى تُنظر في القضاء.

في زمن اللامعقول يمكن أن تتصرف دول تدّعي احترام سيادة الدول الأخرى وتتنطح بالديمقراطية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية ، وتسمح لنفسها أن تتدخّل بشؤون " الآخر" طالما أنّ الآخر ينتمي إلى العالم الإسلامي، وكما فرضوا على المملكة العربية السعودية منح المرأة السعودية حق قيادة السيارة دون مراعاة تقاليد المجتمع السعودي، وما يطالبون به الآن حكومة طالبان بأن تمنح المرأة الأفغانية حقوقاً تتماشى مع مجتمعاتهم الغربية وليس المجتمع المحلي كشرط أساس للإعتراف بها، ظنّوا أنهم باستطاعتهم فرض إرادتهم على حكومة أردوغان، فما كان من الرئيس أردوغان إلّا أن يطلب من سفراء تلك الدول مغادرة تركيا بسبب تدخلّها السافر في الشؤون الداخلية للبلاد واحترام سيادة الدولة المنصوص عنها في المادة (41) من اتفاقية فيينا التي تنصّ على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

والجدير بالذكر أن الدول المعنية بالبيان والتي وقعت عليه كل من الولايات المتحدة وكندا وفنلندا والدانمارك وهولندا والسويد والنرويج ونيوزلندا وفرنسا وألمانيا، هي نفسها سرعان ماتراجعت عن البيان بعد أن أصدرت سفارة الولايات المتحدة بياناً تبين فيه مراعاتها للمادة (41) بما يعني تراجعها عن موقفها السابق لتلحق بها باقي السفارات التي أعادت تغريد بيان السفارة الأميركية على صفحاتها الرسمية، الأمر الذي استقبله الرئيس التركي بالترحيب لتنتهي تلك الأزمة الدبلوماسية سريعاً، ولكن نتائجها باعتقادي ستمتد إلى قضايا كثيرة تخصّ المنطقة وخاصة ما يتعلق بالدور التركي إن كان في سورية وليبيا أو في وسط وجنوب آسيا في أذربيجان وأفغانستان الأمر الذي يزعج الغرب بذات القدر الذي يزعج روسيا، ولكنها سياسة الأقوياء التي ينتهجها اليوم أردوغان رغم الضغوطات العديدة التي تتعرض لها تركيا إن كان على الصعيد الإقتصادي وما تشهده الليرة التركية في الآونة الأخيرة أو الوضع العسكري في الداخل السوري المحرّر من محاولات استهداف النقاط التركية من قبل ميليشيات ( قسد) المدعومة أميركياً من "فوق الطاولة"، وروسيّاً من "تحت الطاولة" مع إيران وما تبقى من نظام الأسد، بالإضافة إلى الضغوط السياسية خارجياً وكذلك داخلياً من خلال بعض أحزاب المعارضة التي تحاول النيل من  حزب العدالة والتنمية لضمان عدم فوزه في الإنتخابات المقبلة.

" قرار السفارات بعدم التدخل في شؤوننا الداخلية هو دليل على تراجعهم عن خطئهم، وأتمنى من الآن وصاعداً أن يكونوا حذرين أكثر". هذا ما صرح به الرئيس أردوغان يوم الاثنين 25/اكتوبرـ تشرين الأول الجاري كرسالة واضحة بأنّ السيادة خطّ أحمر حقيقي لايشبه الخط الأحمر الذي رسمه أوباما عندما استخدم نظام بشارالأسد السلاح الكيماوي في 2013، وهي سيادة حقيقة لا تشبه سيادة نظام الأسد الذي لم يعد بالإمكان إحصاء الانتهاكات التي قام بها الطيران الإسرائيلي على طول البلاد وعرضها وعلى مدى سنوات مديدة تعود إلى ماقبل  الثورة السورية العظيمة.

 

 

ياسر الحسيني 

كاتب سوري

Whatsapp