في 22/7/2019 سافرنا كلاجئين بالطائرة إلى فرنسا، وفي العدد الخامس والثمانون 1/8/ 2019 كتبت كلمة العدد بعنوان:
تركيا ... وداع الروح وإلى لقاء قريب.
وما أصعب أن تتخذ قراراً تدرك أنك فيه تهدر روحك، وتنتزعها من جسدك لتتركها في وطنك الثاني تركيا.
ستة أعوام عشناها فيها، عوضتنا بحنانها عن وطننا الأول سوريا الذي غادرناه مرغمين، وظللنا متمسكين بأمل العودة إليه.
قوبلنا منهم بكل الطيبة والإنسانية التي يمتازون بها، ولم نملك حرية الخيار، مرغمون على رفع أيدينا للوداع، وداع مؤقت لكل من أحببناه فيها.
في عام 2015 تعرفت على المفكر التركي (تورغاي ألديمير) فوجدت فيه النبل والصدق والشهامة، أدهشني حبه للفكر والثقافة والسوريين، ومن خلال لقاءات عديدة وقف مع مشروعي الفكري بالتقارب السوري التركي وولدت صحيفة إشراق، وله الفضل في تأسيسها ودعمها ورعايتها وقدَّم كلَّ جهده من أجل استمرارها، ودعم ملتقى الأدباء والكتَّاب السوريين الذي يعتبر الأب الروحي له.
سنظل ندين له ولعائلة بلبل زاده بالمحبة والاحترام والوفاء، سنستمر تحت رعايته بتمكين العلاقات الثقافية السورية بين الشعبين الأخوين التركي والسوري في أي مكان نكون فيه.
سنترك تركيا ونترك فيها أرواحنا وأصدقاء وأهل لن تنقطع صلتنا بهم خلال ابتعادنا القسري عنهم.
سأعمل جاهداً للعودة اليها بأقرب وقت، فقد اختلط حبها بدمائي وأدمنتها، أعانني الله على مفارقتها ولكنه القدر، لن أقول وداعاً بل إلى لقاء قريب وبشوق كبير، سأكمل ما تبقى لي من أيام متغلغلاً في دفء روحها النقية، فأنا متأكد من تمسكها بنا، لا وداع بل لقاء، انتظريني فوجهي سيبقى ينظر باتجاهك دوماً، لم أعلم يوماً أن هناك وطنان لي وهنا مكمن قوتي وسبب عودتي، حاولت جاهداً عدم مفارقتها إلا لأرض الوطن لأنه امتداداً لأرضها النقية والذي نتشارك فيه نفس التراب والهواء والإنسانية وروح الأخوة.
أحد المحققين الفرنسيين دعاني إلى مكتبه وقال:
بعد متابعاتنا لكتاباتك ومقالاتك تبين لنا أنك تتبع إلى المخابرات التركية.
فأجبته مبتسماً:
طوال عمري وأنا أسمع بأن المخابرات الفرنسية هي أقوى مخابرات بالعالم والآن أنا متأكد من خلال معرفتكم أنني من المخابرات التركية بقوتكم، وأسألك هل تحتاج تركيا إلى مخبر لا يجيد اللغتين التركية والفرنسية، ولعلمك أن السوريين الأحرار يمتازون بميزة لا تعرفونها في فرنسا ألا وهي الوفاء، عشنا ست سنوات في تركيا، ولا بد من شكرهم ما بقينا أحياء لطيبتهم وإنسانيتهم، وتصور أن أطلب اللجوء إلى أمريكا أو بريطانيا، فهل أشتم فرنسا أم أشكرها على ما قدمته لنا إذا انتقلنا إلى دولة أخرى.
عانيت الكثير خلال لجوئي وطلبت مراراً من الحكومة الفرنسية إنهاء لجوئي ومنحي وثيقة سفر تؤمن عودتي إلى تركيا.
في فرنسا يقدمون لك كل احتياجاتك، من راتب شهري إلى تأمين صحي شامل إلى مواصلات مجانية، وبالمقابل يعملون على تحويلك إلى شخص آلي بلا مشاعر.
في فرنسا أحسست أنني في سجن مقيد بقوانينهم وتعاليمهم، هذه القوانين والتعاليم البعيدة عن التعاليم الإسلامية والعادات والأخلاق العربية والتركية.
وبمجرد حصولي على وثيقة السفر (جواز السفر الفرنسي) قررت العودة إلى تركيا، بدل البقاء في فرنسا التي تقتل الأخلاق والقيم والإنسانية والأخلاق، وتحض على الخيانة والغدر.
متخلياً عن كل امتيازات فرنسا المالية، عائد إليك بكل ما تخزنه روحي من اشتياق إلى تركيا وأهلها الطيبين.
صبحي دسوقي
رئيس التحرير