عُدْ لنا أيّها العيد السعيد


 

 

سلامي لك أيّها العيد، أنا عبد الله من حلب ابن صديقك وصاحبك القديم، عمري عشر سنوات ولم أتمكن بعدُ من الذهاب إلى المدرسة، بيتنا العتيق في حيّ الكلّاسة ليس بعيداً عن المقبرة التي دفن فيها جدّاي، أمّا أبي وجميلة أختي فلم يتمكن أحدٌ ممن نجا من العثور على أشلاء جسديهما الممزقة والمبعثرة بين الركام بعد أن قصفتنا طائرات بشار المجرم...

لن أسألك عن حالك يا عيد فأنت الشباب الذي لا يدركه المشيب، لا شيء يمكنه أن يغيّر في ملامحك الفاتنة، ولا يوجد ما يحول بينك وبين الترحال والتجوال في كلّ زمان ومكان، ولن أصف مدى تلهفنا نحن الأطفال لحضورك المبهج فهذا أمرٌ قد لا يعنيك، أو ربما لن ترغب فيما يعكّر صفو مزاجك المكتظّ بفرح مستقبليك.

هل أخبرك بسرٍّ أيها العيد؟ رفيقي أحمد في الخيمة المجاورة يخبّئ في حقيبته حذاءً أبيض جديداً بربّاط أحمر، لا أدري كيف حصل عليه ربّما من سائح عابرٍ إلى المخيّم، يقول إنّه سينتعله ليذهب إلى بيت عمته في المدينة البعيدة، أكّد لي بثقةٍ أنك ستكون هناك وأنّه سيراك ويلعب معك، وستمنحه العيديّة والحلوى... أنا لا أصدّقه إذ ليس بمقدوره الركض واللعب بعكّازيه الخشبيين، ولأنك لن تنتظره ريثما يحظى بقدمين جديدتين من البلاستيك والمعدن. 

أنا أيضاً لن أذهب إليك يا عيدُ فليس لديّ ملابس جديدة تمكنني من اللقاء بك، ولا النقود كي تسمح لي باللعب في ألعابك الكثيرة، كم هي جميلة وغالية الثمن هداياك وألعابك أيها العيد، لقد حدّثني عنك أخي الأكبر، هو الآن في العمل ولا أدري متى وأين تمكن من التعرّف عليك وكيف خَبِرَ أوصافك وألعابك. 

يقول أخي إنك كثيراً ما تزور الطرف الآخر من الغابة، حيث النهر والمراكب الملوّنة والمنتزهات والملاهي والأضواء...، لعلّه صادفك هناك حيث يعمل صبيّاً في أحد المطاعم، ويقول إنّك أيضاً تقضي جلّ وقتك في أسواق الصاغة والزينة والألبسة، بل هناك من يزعم وجود مقعد مزركش ومزيّن في سوق المدينة الكبير لا يشغله أحدٌ سواك. 

يدّعي أخي كذلك أنّه رآك ومرّ بجوارك ودار حول مجلسك، لكنّه مستاءٌ كثيراً وغاضبٌ منك، فقد رآك متكبّراً ومتعالياً على الفقراء، أنا لا أستطيع مخالفته فهو يكبرني بخمسة أعوام ويحبني ويجلب لي الشوكولا والسكاكر، يقول إنك لم تسلم عليه أو تحفل بوجوده، لم تمنحه السعادة والفرح، بل كنت بارداً وفظاً معه في الوقت الذي كنت تمرح فيه مع الزبائن، ربما كنتَ على حقّ أيها العيد السعيد فقد كان أخي منهمكاً بخدمة الناس وأنت ترفض أن يعمل أحدهم في حضرة وجودك.

ثمّ إنك أيضاً لن تأتي لزيارتنا يا عيد فالطرقات إلى مخيّمنا طينيّة، زلقةٌ ولزجة، لا يمكن لعربتك المذهّبة أن تمرّ من خلالها وقد خلف الشتاء فيها أخاديدَ وحفراً عميقة، كما أنّ أحداً من الكبار لن يكون في استقبالك فهم مستغرقون في آلامهم وأحزانهم، ومنشغلون في تأمين لقمتنا وبالتفكير بنا، وبالقلق والخوف على حياتنا ومستقبلنا، ولعلّهم خجلون ممّا آل إليه حالهم وحالنا... 

تعلم أني لن أتمكن من المجيء إليك يا عيد فأنا لا أعرفك وأخشى ألّا أستطيع التعرّف عليك، ثمّ إني لا أعلم أين أنت، من أيّ الطرقات تمرّ، وأيّ الأماكن ستقصد.

سأكتفي بأن أرسل لك السلام من مكانٍ لا تعرفه ولن تتمكن من زيارته في الأمد القريب. تخبرني أمي أني ولدت في هذا المخيّم المشتاق لحضورك البهيج، وأنك قد غادرتنا إلى الأبد مع أبي وأختي الصغرى قبل نزوحنا إلى هنا، أحلف لها أن العيد كائن لا يموت ولا تؤثر فيه القذائف والنيران، أقول لها إنك كائن من الفرح، لست مثلنا ولا تملك قلباً وجسداً من لحمٍ وأعصاب وعظام، لكنّ أمي تؤكد أنك لم تعد حيّاً وتقسم بتراب الأولياء وبحق الملائكة أنك أيها العيد لن تعود.

 

 

علي محمد شريف

رئيس القسم الثقافي

 

Whatsapp