مر أكثر من شهر على صدور قرار من المحكمة العليا في أحد أقاليم الهند يقضي بمنع الفتيات المسلمات من وضع الحجاب داخل المدارس والجامعات، الأمر الذي يشكل اعتداءً سافرًا على حقوق أخواتنا المسلمات في الهند ويضعهن أمام الخيار الصعب بين مستقبلهن العلمي والمهني ودينهن. هذا القرار الظالم هو إضافة إلى سلسلة من التصرفات المستفزة والحاقدة التي يمارسها المتطرفون من الهندوس بحق المسلمين وأحيانًا المسيحيين في الهند والتي باتت معروفة من خلال العديد من الصور والمقاطع التي انتشرت وحدث فيها اعتداءات واضحة على حقوق ومقدسات المسلمين على مرأى وبحماية الشرطة الهندية في كثير من الأحيان.
من السهل تفسير هذا القرار وهذه التصرفات الاستفزازية بعد وصول الحزب الهندوسي المتطرف (بهارتيا جاناتا) إلى الحكم، ومن السهل تفسير الكثير من الجرائم التي يتم ممارستها اليوم في الهند بحق المسلمين عندما يعرف الإنسان القليل عن تاريخ الهندوس المتطرفين منذ تشكل حركة راشتريا سيفاك المتطرفة والتي تعتبر الحركة الأم للحزب الهندوسي الحاكم اليوم والتي بدأت جرائمها بقتل الزعيم الروحي للهند غاندي بسبب دعوته للتسامح والتعامل مع المسلمين في الهند كأبناء بلد واحد.
ومن السهل أيضًا تفسير الموقف السلبي للسياسيين العرب والمسلمين الذين يمسكون بمقاليد الحكم والقرار في الدول الإسلامية، ذلك أن معظمهم لا يملكون الجرأة الكافية لاتخاذ مواقف مستقلة عن مواقف أسيادهم في الغرب، ولا يمتلكون الرغبة بأخذ قرارات تعرضهم لأي ضغوط ولو بسيطة تهدد عروشهم، ولا يمتلكون الحس الديني ولا الانتماء الحضاري ولا حتى الرجولة اللازمة لتحريض الحمية والشهامة في داخلهم لأخذ مواقف سياسية أو اقتصادية أو حتى إعلامية تخفف من حدة التصرفات المتوحشة والمتطرفة التي يتعرض لها المسلمون في الهند عمومًا والمحجبات خصوصًا في الآونة الأخيرة. هم في النهاية سياسيون بالمفهوم الغربي وليس الإسلامي للسياسة. أي أن البراغماتية والمصالح الضيقة هي التي تحكمهم وليس الأخلاق والحس الحضاري والإنساني. ولو أرادوا أن يتخذوا مواقف مهمة لكان الأقصى أقرب و أولى.
لا بأس .. يمكننا تحت ضغط الواقع البائس أن نتفهم كل ما سبق. ولكن ما لا أستطيع فهمه أو تبريره هو موقف الهيئات الدينية الإسلامية السلبي مما تتعرض له أخواتنا المحجبات في الهند. صمت يشبه صمت الأموات ؟؟!! لا يبرره بحال وجود ضغوطات سياسية محلية على تلك الهيئات أو الرموز، فالواجب عليها إيجاد هامش للحركة بعيدًا عن إرادة السياسيين تحافظ من خلاله على خصوصيتها الإسلامية وقدرتها على خدمة الرسالة التي تحملها وإلا فلا مبرر لوجودها أصلاً إن كانت السياسة المحلية هي سقف حركتها وقراراتها.
الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين – رابطة العالم الإسلامي – هيئة كبار العلماء – منظمة التعاون الإسلامي – المجالس الإسلامية المحلية – دور الإفتاء – الرموز الإسلامية في العالم العربي والإسلامي – دور الإفتاء ووزارات الأوقاف الخ . أين هم جميعًا. أين صوتهم. أين تحركهم للدفاع عن حقوق أخواتنا المحجبات في الهند؟؟ أين هم من نصوص الشريعة وتعاليمها ؟؟
أكثر من شهر ولم يحدث – حسب علمي – أي تحرك مهم أو يصدر أي بيان من تلك الهيئات الإسلامية يدين فيه حالة التمييز والعنف والاقصاء الذي تتعرض له المحجبات في الهند. أكثر من شهر ولم نسمع عن اتصال بين هيئة إسلامية أو رمز إسلامي وسياسي مهم في الهند أو في الدول الإسلامية أو في الهيئات الحقوقية العالمية. أكثر من شهر ولم نسمع عن اجتماع طارئ لواحدة من تلك الهيئات لمناقشة القضية وبحث سبل التعامل معها. أكثر من شهر ولم تبرز على الإعلام شخصية إسلامية اعتبارية توجه رسالة تضامن لأخواتنا في الهند.
ليس الإسلام دينًا محليًا، ولا خصوصية عربية، ولا قضية وطنية، ولا حزبًا قوميًا. الإسلام رسالة عالمية عابرة للحدود، ولا يحق لمن يمثله أن يتجاهل أحوال المسلمين خارج حدود الدولة التي يعيش فيها. لا يجوز التقصير ببذل كل الجهد الممكن للدفاع عن حقوق أخواتنا المحجبات في الهند وغيرها. لا يجوز بحال وتحت أي ضغوطات طرح الإسلام من قبل رجال الدين كقضية محلية أو قطرية .
لا أجد أي مبرر للصمت الرهيب للهيئات والرموز الإسلامية عما يحدث من انتهاك فج لحقوق المسلمين والمسلمات في الهند اليوم. من الواجب عليهم تحريك علاقاتهم مع السياسيين وإصدار بيانات والقاء خطب وتكثيف الطرح الإعلامي للموضوع وتحريك القاعدة الشعبية إما عبر التظاهر أمام السفارات الهندية في الدول التي تسمح قوانينها بذلك أو عبر مقاطعة بضائع انتقائية هندية بشكل مدروس وهادف من أجل الضغط على الحكومة الهندية المتطرفة. المهم أن يعلو الصوت وتتحرك الفعاليات لكي لا يشعر المتطرفون أنهم أحرار في إجرامهم، ولا تشعر المحجبات أنهن متروكات من العلماء والمسلمين خارج حدود بلادهم.
ربما تنجح هذه الجهود والتحركات في التخفيف من الضغوط على المحجبات في الهند وربما لا، لكن في الحالتين من المؤكد أن مثل هذه التحركات تدعم المحجبات والمسلمين عمومًا في الهند وترفع من معنوياتهم وتعطيهم الشعور بأن لهم امتداد خارج حدود بلادهم التي يشكلون فيها أقلية ويسيطر عليها المتطرفون وأن قضيتهم تحظى باهتمام ودعم كل المسلمين في العالم وأنهم جزء من أمة واحدة عابرة للحدود وهذا لوحده هدف كاف للتحرك .
يقول الله تعالى : " إن هذه أمتكم أمة واحدة ". إن واحدًا من أهم أسباب قوة واستمرار وثبات وانتشار هذا الدين على الرغم من كل الضغوطات والمؤامرات التي تحاك لتحجيمه أو القضاء عليه هو عالمية رسالته، فلا فرق فيه بين عربي وهندي وأفريقي وأوروبي، ولا حدود تقف أمامه أو تعيق انتشاره، ولا حواجز – إعلامية أو سياسية أو قومية أو عسكرية – تستطيع أن تحجب نوره عن قلوب وعقول الحائرين الباحثين عن الطمأنينة والسكينة والعدالة. إن أمة الإسلام هي أمة واحدة تضم كل الألوان والاعراق والقوميات والأجناس، كلهم متساوون في المكانة والحقوق والواجبات فلا فرق لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى. وإن تكريس هذا المعنى رغم الحواجز والحدود الوطنية والقومية والسياسية والثقافية هو واجب علماء الدين والمفكرين حتى يتم الحفاظ على الحد الأدنى من مفهوم الأمة والترابط بين المسلمين وحتى يسود التعاطف والتراحم والتناصر بينهم .
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " . فأين سهركم يا علماء الدين، وأين حرارة نشاطكم وخطاباتكم ونيران غضبكم لما تتعرض له أخواتنا في الهند. أروا الله من أنفسكم غيرة على الإسلام وأهله وحراكًا تستحقون من خلاله مقام الاستخلاف وجدارة الوقوف على منابر المساجد، وتبرؤون الذمة بين يدي جبار السماوات والأرض.
د- معتز محمد زين
كاتب وطبيب سوري