يحاصر الألم السوريين ويلاحقهم، أنَّا ذهبوا وإلى أين غادروا. ويطبق شظف العيش وقلة الموارد على مجمل حيواتهم، سواء كانت في مخيمات الشمال السوري، أو في مخيمات اللجوء والنزوح، حتى لتكاد الحياة لديهم شبيهة بعدمها.
فلا النظام السوري المجرم وحلفائه قد تركوهم وشأنهم، ولا قسوة الحياة من برد الشتاء أو حر الصيف قد تركتهم ومستقبلاتهم. حيث يحاصرهم الموت ومنتجاته ولواحقه في كل أصقاع الدنيا. لكن واقع المعاناة اليوم لدى السوريين في مساكن القماش، التي لم يعد بإمكانها حمايتهم أو إشاحة الألم عنهم. هي الأشد ألمًا ومضاضة، حتى بات السوري يحاول المغادرة لا يلوي على شيء إلى المجهول في كل بقاع الأرض من أجل إعادة بناء حياة، ليست إلا حياة البشر، بقليل من الكرامة والإنسانية والاحترام، وتأمين متطلبات المعيشة اليومية .
واقع الناس في الشمال السوري ومع حر الصيف وغلاء الأسعار وقلة الحيلة، وانعدام فرص العمل، وسوط القرار الأممي الذي بات مرتهنًا للفيتو الروسي بمنع مايسد الرمق أو بعضًا منه عبر المساعدات الأممية التي لاتُغني، لكنها تُبقي على الحياة فقط. حتى في هذه تلاحقهم آلة البطش الروسية لتساومهم عليها، وتحاول ربطها بمعابر تابعة لنظام القتل الأسدي. وسط صمت معولم ومطبق على جل الحياة السورية.
يُقبل عيد الأضحى المبارك بمتطلباته الكثيرة وشح الإمكانيات، حيث لا دخل، بل هناك الكثير من الإنفاق، ولا مواد أساسية، وإن وجدت هذه المواد، فليس هناك من قدرة شرائية لتأمينها، وماتفعله بعض المنظمات الإنسانية لايفي إلا بالنذر اليسير من حوائج الناس، لا يسد الرمق ولا يؤتي الأكل، بل المزيد من المعاناة، والمزيد من حالات القهر الكبرى، ليجد رب الأسرة السوري نفسه عاجزًا عن تأمين متطلبات عيد الأضحى ضمن الخيمة القماشية التي تَخلَّى عنها القريب والبعيد، وراحت دول العالم تنشغل بمسائل أخرى، يبدو أنها اليوم هي الأكثر أهمية وضرورة بالنسبة لها، في ظل التمييز، وسياسة التمييز، التي يتبعها بعض الغرب، بالمقايسة مع مشكلة تهجير الأوكران، وهم من العرق الأبيض الأشقر وليس الأسمر .
ضمن هذه المفاعيل يعيش الشعب السوري في مخيمات القهر والتهجير القسري، التي كانت نتيجة طبيعية لسياسات أمنية وحل عسكري طالما انتهجه نظام الأسد، في مواجهة شعبه، عندما فكر هذا الشعب أواسط آذار/ مارس ٢٠١١ أن يقول لا للعسف والقمع وكم الأفواه، فقابله بالبراميل والكيماوي، وتدمير البنية التحتية، وتهجير ما يزيد عن نصف الشعب السوري، إلى بلاد اللجوء أو مخيمات النزوح.
تستمر معاناة وعذابات السوريين في مخيماتهم، ويعيشون ظروف القهر والعسف والتهجير الأسدي، ضمن آفاق سياسية غائمة وغير واضحة المعالم، بل غير ذات وضوح في الرؤيا، حتى بات المستقبل أكثر ضبابية من كل السنوات التي سلفت، وبات التطلع إلى حيوات أخرى أكثر إشراقًا حلمًا قد يكون صعب المنال، ضمن وقائع وسياقات إقليمية ودولية ووطنية أيضًا، لا فرصة ترجى فيها أو عبرها، لكن الأمل الذي لم ينقطع عن مخيال الشعب السوري، وهو من ضحى وما يزال بالكثير من أبنائه الميامين، على مذبح الحرية والكرامة، مابرح يصر على الولوج عاجلًا أو آجلًا في طريق يوصله إلى نقطة الضوء، في ملاذات مستقبلية لابد آتية، لأن المعيار الحقيقي لدى السوريين، كان وما يزال هو (بعد الاعتماد على الله) إرادة وقوة وتماسك الشعب السوري، وتصميمه وإيمانه بأن الظالم لابد أن يزول، وأن الظلم حالة طارئة، لاضير في أنها ستنتهي إلى مزابل التاريخ، بل إن التجربة أثبتت أن كل المستبدين وكل الظلام والفاشيست إلى زوال وإلى نهايات قذرة، على وقع ضربات وإرادات الشعوب المقهورة.
أحمد مظهر سعدو
رئيس التحرير