اللجنة الدستورية "السياحية"  السورية


 

 

 

 منذ تشكيل اللجنة الدستورية السورية في أيلول/سبتمبر 2019 وحتى اليوم، أي أنها ستحتفل بعامها الثالث بعد شهر تقريباً، لم تنجز شيئاً على الإطلاق اللهم عدا اللقاءات التي سمّيت "جولات" ـ ظلماً وعدواناًـ والبالغ عددها الثمانية كان آخرها في شهر حزيران/يونيو المنصرم تحت رعاية الأمم المتحدة ممثلة بالمبعوث "غير بيدرسون" خليفة المبعوث السابق صاحب اختراع " السلال الأربع " المراوغ الشهير " ديمستورا " الذي استطاع أن يفرّغ القرار الأممي 2245 من مضمونه ويمنح النظام المجرم الوقت الكافي للقضاء على الشعب وثورته العظيمة، بمساندة الميليشيات الإيرانية الطائفية والطيران الروسي المجرم .

في الجولة السادسة  تشرين الأول /اكتوبر 2021 خرج بيدرسون ليعلن للصحافة بأن وفد النظام لم يقدم أية ورقة في اليوم الخامس والأخير من الجولة المنعقدة في جنيف، وأنّه لم يحصل أي تقدم وكانت مخيبة للآمال! وأن رئيس وفد النظام أحمد الكزبري كان يحاول إضاعة الوقت من خلال طرح مواضيع خارجة عن جدول الأعمال تارة، والغوص في المفاهيم القانونية النظرية تارة أخرى وهو المتمكن في هذا المجال كيف لا وهو الحاصل على دكتوراه في القانون الدولي من بريطانيا، فكان يحاول أن يستعرض امكانياته النظرية التي حفظها، فيما كانت القرى والبلدات السورية ترزح تحت وابل القذائف الصاروخية والغارات الروسية، كرسالة وقحة لكلّ من وفد المعارضة والمجتمع الدولي.

شخصية رئيس وفد النظام ( أحمد الكزبري) هي المثال المناسب المعبّر عن طبيعة النظام، فهو رئيس لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية في مجلس الشعب، وعضو نقابة المحامين بدمشق، وعضو رابطة الحقوقيين السوريين ونقابة المحامين الدوليين، وعضو " اللجنة الوطنية " التي صاغت دستور 2012، هذا من الجانب القانوني، أما على الصعيد " الاقتصادي " فهو شريك مؤسس لبنك " الشرق" وبنك " الشام " في دمشق، وهو مدير أعمال اللواء بهجت سليمان سفير النظام السابق في الأردن، فكان الواجهة القانونية التي تدير ثروة بهجت سليمان وولديه بعد موته، وهو يعد من الأذرع الاقتصادية التي يعتمد عليها بشار الأسد.

هذا النموذج كان مقاتلاً شرساً في كل المفاوضات بما فيها سوتشي، بينما بدا رئيس وفد المعارضة " هادي البحرة " ضعيفاً متردداً لا يجرؤ على اتخاذ أي موقف حاسم تجاه صبيانية وفد النظام، رغم النداءات العديدة والمطالبات المتكررة من الثوار له بتعليق المفاوضات أو الانسحاب منها احتجاجاً على الانتهاكات المستمرة على الأرض، لكنه آثر الاستمرار بحجة أنّه سيحرج النظام الذي يسعى إلى إفشال مهمة المبعوث الأممي.

حصاد ثماني جولات على مدى ثلاثة أعوام هو المراوحة في المكان، حتى باتت الجولات أشبه برحلات سياحية باشراف الأمم المتحدة يتعرّف من خلالها الأعضاء ال(45) على آخر تقليعات الموضة في الغرب، وفرصة ذهبية لوفد النظام لجلب ما لذّ وطاب من جنيف إلى دمشق التي تفتقر لكل شيء، وهذا ما فضحته كاميرات الإعلاميين التي صورتهم مع حقائبهم العديدة المنتفخة في مطار جنيف.

في الجولة الثامنة والأخيرة عرض المبعوث الأممي أربعة مبادئ ليتم مناقشتها وهي تشمل التدابير القسرية الانفرادية من وجهة نظر دستورية، الحفاظ على مؤسسات الدولة وتعزيزها، سيادة الدستور وموقف المعاهدات الدولية، والعدالة الانتقالية. وفي نهاية الجولة قال المبعوث الأممي:" إن الاختلافات لم تذلّل وظلت شاسعة ".!!! واتفق الرئيسان المشاركان الكزبري والبحرة على عقد الجولة التاسعة في جنيف في الفترة 25ـ 29 تموز/يوليو 2022 ، وهو موعد مناسب جداً لقضاء الوقت الممتع بعيداً عن حرّ الصيف بدمشق في ظلّ غياب الكهرباء المزمن، أمّا مسألة العدالة الانتقالية والحل في سورية فهي آخر ما يمكن أن يخطر على بال أعضاء اللجنة الدستورية من كلّ الأطراف مجتمعين، وهذا ما تفضحه المبادئ الأربعة التي اتفق عليها الجميع حين قبلوا أن يكون مبدأ العدالة الانتقالية يأتي في المرتبة الأخيرة، وكانوا من قبل قد فرّطوا ببند " المعتقلين" الذي كان فوق تفاوضي. فهل ما زال هناك من عاقل يعوّل على هذه اللجنة من أن تعيد للشعب السوري حقوقه المنتهكة وتعيد اللاجئين إلى ديارهم بعد رحلتهم العسيرة مع الموت والذلّ والحرمان؟.

 

 


ياسر الحسيني 

كاتب وإعلامي سوري

Whatsapp