عقيدة الأسد الآخر الذي يستحق الفناء


 

لم يحدث عبر تاريخ ثورات الشعوب على أنظمتها المستبدّة ماضيها وحاضرها والأساليب الأكثر وحشية التي استعملتها تلك الأنظمة المجرمة المتخلفة لقمعها والقضاء عليها أن أعلن النظام الحاكم الحرب على الدولة والشعب، بل إنّ الأنظمة الحاكمة حين ترى إصرار الجماهير على إسقاطها واستبدالها لم تكن لتجرؤ على تدمير الدولة وإبادة الشعب في سبيل احتفاظها بالسلطة والحكم، ناهيك عن أنّ الجيش والمؤسسات والقوى الأمنية الوطنية لم تكن لتسمح بتخريب بناء الدولة وباستمرار هذا النظام الحاكم على أنقاض الدولة والمجتمع، لماذا إذاً يشكل المثال السوريّ استثناءً عن سواه من أنظمة الطغيان والاستبداد؟

لعلّ الجواب على السؤال السابق يكمن في البحث عن جذور العائلة الحاكمة وأصلها، وعن طبيعة طائفة المجرمين التي ساندته وهوّيتها وولائها، وهل هي حقاً تنتمي لسورية؟ ببساطة شديدة يمكن القول أن لا. فعائلة بشار يبدأ وجودها في سورية بسليمان "الوحش" مجهول الهوية والنسب وإن كانت أصوله الفارسية هي المرجحة، أما بقيّة السلالات الأخرى التي شاركت في المقتلة السورية فلن تختلف كثيراً عن سيّدها ومشغلها على الأقلّ بحكم الاشتراك في عقيدة التوحش والمصلحة المشتركة في فناء الآخر المختلف، ثم في الارتباط المصيري بالمسؤولية عن الجرائم وما سيصيبهم فيما إذا طالتهم قبضة العدالة.

تبرهن مئات آلاف الوثائق والأدلة القاطعة لجرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية التي ارتكبها نظام المافيا الأسديّ، والمحفوظة لدى كبريات المؤسسات والمنظمات الدولية والمحلية والكثير من الشهود والأفراد، على أنّ مجمل الشعب السوري مستهدف بحياته وسلامته وصحته البدنية والنفسية والعقلية، ويشير بوضوح العدد الهائل من الشهداء والمصابين بعاهات وأمراض خطيرة وبخاصة من الأطفال والنساء والشباب المدنيين إلى وجود إرادة جرمية تتقصّد إحداث النتائج الكارثية المدمّرة التي تحققت بالفعل.

لقد استخدام نظام الإجرام كل الوسائل والأساليب الممكنة لإنهاء حياة شعب كامل ومحو وجوده، اعتقاداً منه بأنّ الأغلبية السورية الرافضة لسلطته مجرّد عدد فائض وغريب لا يستحق الحياة، وأنّه وعائلته البهيمية الدخيلة لهم مطلق الحق في تملك سورية والتصرف بمقدراتها، كما أنّ حق الحياة في حظيرته، ممنوح فقط للأقلية الطائفية المتوحشة التي يدّعي زوراً الانتماء إليها وتمثيلها و"حمايتها" بكل ما أوتي من شهوة القتل والقدرة على التدمير، دون غيرها من المكونات العرقية والدينية.

وبالنظر إلى طبيعة جرائم نظام أسد ونتائجها المخيفة، والأسلحة المستخدمة والأساليب الجرميّة المتعددة والمتنوعة، يمكن التأكيد وبثقة مطلقة على أنّ إبادة المجتمع السوري وتهجير من تبقى ممن أخطأته آلة القتل هي هدفه الرئيس الحقيقي، سواء كانت الإبادة بالقتل المباشر بجميع الوسائل القذرة الممكنة والمتاحة، أو غير المباشر عبر الاعتقال والتعذيب والحصار والتجويع والحرمان من الماء والغذاء والدواء..

لقد ارتكب نظام القتل الأسدي آلاف المجازر ولجأ إلى الاستخدام المتكرر للسلاح الكيماوي، ولجميع أسلحة التدمير الشامل المحظورة والمحرمة دولياً المتوفرة لديه، فلم يستثني غاز السارين والكلور والصواريخ الاستراتيجية الفراغية والمتفجرة، والبراميل العشوائية المحشوة بالبارود والمسامير والخردة المعدنية، والقنابل العنقودية والفوسفورية والنابالم، بغية القضاء على أكبر عدد ممكن من أعدائه المدنيين الرافضين لحكمه، أي أغلبية الشعب السوري، وبأقل كلفة مادية ممكنة.

ما من شكّ في أنّ ما ارتكبه نظام التوحش الكيماوي الأسدي من جرائم وحشيّة بمواجهة المواطنين السوريين الطامحين للحرية والعدالة لم تكن فقط لسحق الثورة السورية العظيمة، والاحتفاظ بسلطته اللاشرعية وبالثروات التي نهبها، والإفلات من العقاب، بل كانت هذه الجرائم ايضاً في سياق منهج ومخطط مدروس يسعى لإفناء الآخر، بل وانتزاع كل عوامل استمراره وتمرّده المستقبلي عبر حرب إبادة شاملة، وإفراغ سورية من السوريين ليس فقط عبر التهجير القسري، إنما أيضاً من خلال إحداث الحروق والتشوهات والآفات الخطيرة، وإصابتهم بعاهات دائمة كفقدان السمع والبصر والأطراف، والتسبب بأمراض مميتة كالقلب والكلى والسرطان الذي أصبح انتشاره ظاهرة ملفتة وبأعداد مرعبة طالت، ولا تزال، المدنيين السوريين، وبخاصة الأطفال، وهو ما يشير، على الأرجح، إلى استخدام نظام أسد وحلفائه الروس والإيرانيين أسلحة بيولوجية أخرى محرّمة مديدة التأثير وأشدّ فتكاً، مما يعلمها مجلس الأمن والدول الكبرى، وقد لا نعلمها.

 

 

علي محمد شريف

رئيس القسم الثقافي

Whatsapp