في 29 نيسان/ أبريل 1997 دخلت معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية حيز التنفيذ والتي تنص على منع استخدام هذا السلاح وانتاجه وتخزينه ونقله، في خطوة ذات دلالات مهمة سياسية وحقوقية وأخلاقية، تعبر عن أجواء مرحلة جديدة من عمر البشرية ورشدها، وأتت هذه الاتفاقية تتويجاً للعديد من المعاهدات والاتفاقيات بهذا الخصوص، وبعد أن استخدمت بعض الدول في حروبها هذا السلاح بشكل مروع لعل أوسعها نطاقاً في الحرب العالمية الأولى (1914_ 1918) وآخرها في الحرب العراقية_ الإيرانية (1980_ 1988).
ورغم أن الاتفاقية الدولية المشار إليها دخلت فوراً حيز التنفيذ تبقى، دوماً، المخاوف قائمة من استخدام هذا السلاح الفتاك، غير التقليدي، في الصراعات والحروب بين الدول لآثاره الخطيرة على الإنسان والحيوان والنبات والبيئة، خصوصاً أن بعض الدول لا تتمتع بالشفافية الكاملة للتصريح بما لديها من مخزون هذا السلاح وتخبىء بعضاً منه، لاستخدامه في أوقات "الحرج" و"الشدة" مثلما فعل النظام السوري بعد توقيع اتفاقية تفكيك وتسليم مخزونه وإعلان إلتزامه ببنود الاتفاقية الدولية حسب ماجاء في القرار الأممي 2118 الصادر في نهايات أيلول/ سبتمبر 2013، الذي شكل له مخرجاً من أزمته بعد أن استخدم غاز السارين في ريف دمشق في آب/ أغسطس 2013 وأدى إلى استشهاد المئات معظمهم من الأطفال.
في حالتنا السورية، لم يكن يخطر في بال أي سوري، عند انطلاقة الثورة السورية آذار/ مارس 2011، ولا لأي متابع لأحداثها ومجرياتها، أو حتى لأي محلل سياسي، سوري أو غير سوري، أن آلة قمع (الدولة المتوحشة) التي يقودها الأسد الابن، أو الأسد الصغير، ستصل في لحظات معينة من جنونها وحماقتها، في المواجهة "المصيرية" مع الشعب الثائر، من العزل والأبرياء، المطالب بأبسط حقوقه الإنسانية والسياسية المشروعة، لاستخدام السلاح الكيماوي المحرم دولياً، في محاولة يائسة منه لإنهاء الثورة ووأدها، فهي سابقة دولية لم يحصل من قبل أن استخدم فيها هذا النوع من الأسلحة في مواجهة الانتفاضات الشعبية، أو الثورات الوطنية، أو حركات الاحتجاج المطلبية، ضد نظم محلية أو غزاة، وقوى احتلال واستعمار، وبقي استخدامه مقتصراً على المواجهات بين الدول والجيوش المتحاربة.
استبعاد اللجوء لهذا الخيار، أو عدم توقعه، لم يكن لحسن ظن بنظام طبيعته إجرامية، وبنيته إقصائية، دموية، همجية، وليس لأنه سابقة خطيرة، لاتتحملها هيكلية النظام المتداعية، والآيلة للسقوط، في حينها، بقدر ما هو تحسباً للنتائج غير المحسوبة على الصعيد الدولي، وما سيترتب عليها من ردود أفعال، ستفضي إلى نهايته، أو ستسرع بها، وستقوده الى المحاكم الدولية كمجرم حرب هو وزمرته، أو هكذا يفترض.
أدى التراخي الدولي والميوعة من إدارة الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، آنذاك، إلى تمادي الأسد وتكرار مافعله في الغوطتين الشرقية والغربية في أغسطس/ آب 2013 عدة مرات في مناطق أخرى من سورية( اللطامنة_ محافظة حماة 2017) بحسب تقرير المنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيماوية، وفي خان شيخون_ محافظة ادلب من العام نفسه (2017) وفي مجزرة الغوطة الثانية_ ريف دمشق (2018).
مما لاشك فيه أن هناك ماهو أخطر من السلاح الكيماوي في آثاره التدميرية، كالسلاح النووي، ولكنه تحول إلى سلاح ردع وتوازن دوليين، وما يزال مقتصراً في امتلاكه وحيازته على عدد من الدول العظمى المتحكمة بالعالم وتوجهه وفق مصالحها ورغباتها، بينما يبقى السلاح الكيماوي، أو سلاح الفقراء كما يسمى، أقل كلفة وسهولة في امتلاكه وحيازته، وربما خطورته تكمن في قدرة الجماعات أو الميليشيات على تصنيعه ومن ثم استخدامه.
بالعودة إلى الحالة السورية، فإنه بالرغم من المواقف الدولية التي أدانت النظام السوري، وحملت رأسه الأول المسؤولية المباشرة والكاملة على ما اقترفه خلال السنوات الماضية وفي أكثر من مكان، ومن ثم إعلانها عن تحايله على القرار الدولي، واحتفاظه بجزء من ترسانته الكيماوية، فإنه ما يزال حراً طليقاً يمارس سياسة القتل والترويع والتهجير، وفي ظل غياب الجدية الدولية لملاحقته ومحاكمته كمجرم حرب، مما يكشف حجم ازدواجية سياسات الدول ومعاييرها.
ينتظر الشعب السوري لحظة العدالة التي تاق إليها طويلاً، فهل سيرى السوريون والعالم أجمع، يوماً، وقريباً، بشار الأسد خلف القضبان على ما اقترفه من جرائم موصوفة ومكتملة، سؤال لا يزال برسم العالم الذي يستثمر في القضية السورية على حساب معاناة أهلها وضحاياها؟؟؟.
عبدالرحيم خليفة
كاتب سوري