لا يبدو أن مصائر السوريين ومستقبلاتهم، بل وحيواتهم بقضها وقضيضها، تسير باتجاه التحسن أو الإشراق، فكم انتظر الشعب السوري وعمل وضحى بكل شيء، من أجل حياة هنيئة بلا قمع ولا قتل ولا كيماوي ولا سجون، لكن ما يسمى (المجتمع الدولي) لم يعد يعير أي اهتمام بالقضية السورية، وتُرك بشار الأسد مستفردًا (ومن يدعمه من فرس وروس) بهذا الشعب العظيم، ليهيمن على معظم الأراضي السورية، ضمن حالة نهب لخيراتها وقاتلًا لأرواح المدنيين، دون أن يحرك ذلك ساكنًا لدى الأنظمة العربية في معظمها، ولا تلك الدول العالمية التي ادعت يومًا وقوفها مع حرية السوريين وكرامتهم.
وهو ماحال دون تحقيق طموحات الإنسان السوري الذي خرج بجسده العاري يوم 15 آذار/ مارس 2011 من أجل حريته وكرامته المسلوبتين والمنتهكتين، من قبل الطغيان الطاغوتي الأسدي خلال خمسين عامًا أو يزيد. وتمر الأيام والسنين ويذهب عام ويقبل آخر، لكن دون أية آفاق مستقبلية جدية على طريق تحقيق الحلم، حلم كل السوريين بكنس عائلة الأسد وإعادة رسم ملامح نظام سياسي جديد ينعم فيه وعبره الناس كل الناس السوريين بالحرية، ويحافظون على كراماتهم، عبر سيطرة فعلية لدستور عصري وحديث يُجمع عليه كل السوريين، وقوانين حديثة تكون فوق الجميع ولا يعلوها أي حاكم أو حزب أو فئة أو سلطة.
يتنفس الشعب السوري الصعداء يوم يسمع بتحركات هنا أو هناك نصرة له، وتحركًا وراء الحل السياسي، وفق قوانين وقرارات أممية، طالما وقف العالم إلى جانبها، لكنه أيضًا (أي هذا الشعب) لم يعد يثق كثيرًا بكل تلك التحركات، ولا كل مسارات الحل المدعاة، لقناعته وعبر أكثر من عقد من الزمن، أن هذا النظام السوري غير معني بأي حل سياسي، وأن خيار النظام كان وما زال القمع والحل العسكري والأمني، وهو على قناعة أن ولوجه الحل السياسي سوف يسقطه ويزيحه من سدة الحكم، التي كانت ومازالت الغاية والهدف، ولا يعنيه أبدًا الشعب السوري وحريته، أو كرامته، وليس في منظاره أي تنازل من أجل أن تحيا سورية بأمن وأمان، فالأمن والأمان لديه هو أمن سلطة غاشمة أمسكت بالبلد وخطفته، نحو مصالحها وغاياتها، وليس في تفكيرها أبدًا أن تبقى سورية أو لا تبقى، إذ إن المهم هو بقاء النظام ومصالح شبيحته وأزلامه، على حساب أكثر من مليون حتى الآن ممن أزهق أرواحهم من السوريين.
وما يحكى عن مصالحة بين تركيا والنظام السوري هي مسألة تتعلق بمصالح معينة بحد ذاتها، لا أعتقد أن الشعب السوري سوف يستفيد منها، أو أن تكون مدخلاً للحل السياسي المفترض، وليس هناك من تغيرات كبرى في المسألة السورية تدعو النظام السوري المجرم، ولا داعميه، من روس وفرس، نحو الولوج في الحل السياسي الجدي، بل هو مستعد إلى مزيد من التسويفات والوعود والمراوحة بالمكان، كما فعل في مسار (أستانا) وبعده في اجتماعات اللجنة الدستورية، وقبل ذلك في جنيف ومسار الحل الأممي الذي عطله النظام وداعميه، وهم ما برحوا في عملية اشتغالٍ على التعطيل يومًا إثر يوم.
الشعب السوري خبر نظام القتل الأسدي جيدًا، ووعى آليات عمله القمعية الإجرامية، وأدرك بحسه العملي أن نظامًا هكذا هي مواصفاته لا يمكن مطلقًا أن يسير أو يدخل ضمن أية عملية سياسية حقيقية، لأن في ذلك زواله وإنهاء سلطته قاطبة، وهذا مالايمكن أن يحصل في ظل وجود الدعم الكبير من دولة الملالي في طهران ومشروعها الفارسي للمنطقة، وكذلك في ظل الوجود الروسي الاحتلالي لسورية، حيث تتحقق المصالح الروسية عبر هذا النظام/ الأداة، وعبر الدور الذي يلعبه ومازال، دون وازع من ضمير أو مبادئ، أو أهمية لحيوات السوريين وقادم ومستقبل أيامهم وهو واقع عاشه كل السوريين، وما انفكوا يعيشونه مع هذا النظام الطغياني.
أحمد مظهر سعدو
رئيس التحرير