تاريخ الخزف في الشرق الأدنى


 

 

تعتبر حضارات الشرق الأدنى من أقدم الحضارات التي تمتلك أدلة مادية وفيرة على وجود تراث عميق وعريق لها في صناعة الفخار والخزف، حيث تعود هذه الصناعة بتاريخها إلى الألف السادس ق.م. أدى اختبار مادة الطين لدى شعوب المنطقة خلال الحضارات المتعاقبة إلى معرفة تراكمية بخصائص هذه المادة وأسرارها، فاستخدمها الناس في حياتهم اليومية وأحيانا في بعض الشعائر الدينية، فصنعوا أشكالا ورموزا ترتبط بالمعتقد الديني السائد أنذاك.

لبت صناعة الفخار والخزف حاجات الإنسان كما ذكرنا فوفرت له آنية يتناول فيها طعامه ويحفظه لوقت لاحق، كما استخدم الطين أيضا في سومر لحفظ العقود التجارية في كبسولات طينية تحوي رموزا تعرفها الأطراف المتعاقدة، واستخدم الطين أيضا في صناعة ألواح دونت فيها الملاحم والنصوص الهامة.

اختلفت طرق صناعة الفخار بإختلاف المناطق والأقاليم في الشرق القديم حيث تمت مثلا محاولة شي الطين في قبرص باستخدام درجة حرارة متساوية مما أكسب القطع الفخارية قساوة متساوية في جميع أجزائها، وكانت هذه الطريقة من أنجح الطرق وأكثرها انتشاراً بين الأقاليم المتنوعة.

استعملت لاحقا في الألفية الثانية ق.م في فلسطين ووادي النيل الأفران العمودية حيث توضع القطع الفخارية بعيداً عن النار بأعداد أكبر متعرضة لدرجة حرارة متساوية، منحت هذه التقنية ألوانا مختلفة للقطع المنتجة. عرفت بلاد الرافدين في ذات المرحلة تطورا كبيرا في معالجة السطوح الخزفية فقد عثر على بعض الوصفات الخاصة بالألوان الزجاجية ذات التركيب المعدني وطرق تطبيقها. استخدمت الألوان ذات الأساس القلوي في مصر القديمة إلا أنه لم يكن بالإمكان إلصاقها على سطوح الأواني قبل إكتشاف الألوان الزجاجية في بلاد الرافدين. استخدمت أيضا في هذه المرحلة الطاولات القابلة للدوران مما زاد من سرعة الإنتاج وحسّن من مظهر القطع المنتجة.

أدى التقدم في صناعة الفخار والخزف إلى تطور عام في الحياة الإقتصادية والاجتماعية والدينية فأصبح بالإمكان حفظ البضائع ونقلها إلى بقاع مختلفة، أما بالنسبة للشعائر الروحية فقد رافقت العديد من الأواني الخاصة جثامين الموتى في قبورهم لتحفظ طعامهم وتخفف عنهم شقاء رحلة الانتقال إلى العالم الأخر، أو لتحوي أحيانا أعضاء داخلية اجتثت من أجساد ملوك أو شخصيات بارزة قبل تحنيطها كما كان الحال عليه في مصر القديمة.

كانت صناعة الخزف وتزيينه في الشرق الأدنى القديم تتم ضمن اتجاهين، الأول تميز بسطوح داكنة مصقولة تحوي بعض النقوش، أما الإتجاه الأخر فقد تميز بسطوح ملونة داكنة على خلفيات فاتحة اللون. لم يكن الشرق الأدنى منطقة واحدة في عصر من العصور فتنوعت أجزائه حسب المجتمعات التي كانت تقطنه وانتماءاتها المختلفة، إلا أن جميع الحضارات قد أثرت في بعضها البعض فانتقلت طرق الشي وأنماط التزيينات والألوان عبر الأقاليم المختلفة خلال رحلة تطور صناعة الفخار والخزف عبر القرون الطويلة.

جاءت صناعة الخزف لتلبي حاجات الإنسان اليومية والاقتصادية والروحية مقدمة أشكالا ورسوما تعبر عما كان يدور في خلد صانعيها ومجتمعاتهم التي عاشت في تلك الازمنة الغابرة، تاركة أثرا لا يمكن محوه لتجربة إنسانية بالغة الأهمية.

 

يُسر عيان 

 

Whatsapp