تغيير هوية المجتمع .. لمصلحة من ؟؟


مسألة تؤرقني وتأخذ حيزًا كبيرًا من تفكيري. لماذا تسعى العديد من حكومات بلادنا العربية والإسلامية لفرض النموذج الثقافي والاجتماعي الغربي الفاشل في مجتمعاتنا، مع إدراكهم أن ذلك قد يكون الشرارة التي تفجر استقرار تلك المجتمعات من داخلها ؟؟!! 

جهات معروفة ومحسوبة على الثقافة العربية والإسلامية تقوم بتمويل الكثير من شركات الإنتاج ومحطات فضائية ومواقع إخبارية وشخصيات إعلامية وفنانين من أجل صناعة حوارات وبرامج ومسلسلات وأفلام تسعى إلى إحداث زلزال اجتماعي وأخلاقي عبر زرع ثقافة وعادات ونماذج اجتماعية غريبة عن عاداتنا وأخلاقنا وأسلوبنا في الحياة  وبعيدة عن فطرة البشر( المساكنة .. العلاقات المحرمة .. شرب الخمور بشكل اعتيادي .. البارات .. الديسكو .. الخيانة الزوجية .. المصلحة كأساس للعلاقات .. فجور الأبناء .. غياب سلطة الأب .. تفكك الأسرة هو القاعدة .. اللباس الفاضح للنساء ..  الصداقة العميقة بين الشباب والبنات .. استخدام الكلمات الأجنبية بشكل مفرط وفج في الأحاديث العادية اليومية . الخ). هذه العادات والسلوكيات الموجودة بشكل نادر في مجتمعاتنا والمنبوذة من معظمنا والمرفوضة في الوعي الجمعي يحاول البعض تصويرها كمكون رئيسي وطبيعي ومقبول من مكونات الثقافة الاجتماعية.  هناك جزر اجتماعية من سكان المنطقة – وخاصة في لبنان – تعتبر هذه العادات مقبولة في مجتمعها أو على الأقل لا ترفضها بشدة وهذا مفهوم داخل مجتمعهم الضيق المرتبط سياسيًا واجتماعيًا وثقافيًا بالغرب، لكن النسبة الأكبر من سكان الشرق الأوسط والجزيرة العربية يرفضون بشدة تلك المظاهر والعادات دينيًا وأخلاقيًا واجتماعيًا وإنسانيًا، فلماذا يتم تعميم ثقافة الأقليات على الأكثرية ؟؟. المشكلة أن الأموال التي تدفع بسخاء للشخصيات والمنابر التي تسعى لنشر هذه العادات مصدرها المجتمعات التي ترفضها، تقدم منابر ومحطات ضخمة وتفتح الشاشات أمام شخصيات إعلامية تمتلك ظهور إعلامي ملفت لكنها فقيرة جدًا في المخزون الأخلاقي والثقافي والاجتماعي الذي ينسجم مع ثقافة معظم سكان المنطقة، يتم عرض تلك المظاهر والسلوكيات بأسلوب يجعل من أصحابها إما أبطالًا أو ضحايا، ويحاول أن يصور تلك السلوكيات الشاذة وكأنها مكون أصيل من مكونات الثقافة والعادات في مجتمعاتنا. الضخ المبالغ به للمال – وللمال أثره وسحره - يؤدي إلى تسلل تدريجي لتلك العادات والقيم الغربية الغريبة عن أخلاقنا وعاداتنا، وإلى حالة من التفكك الاجتماعي، وإلى تصدير أبطال تافهين كنجوم للمجتمع، وإلى محاولة تغيير الوعي الجمعي لمجتمعنا نحو قبول وربما الدفاع عن تلك المظاهر  الشاذة، ومن ثم حث الجيل الصاعد على السير على طريق النجومية الكاذبة وغالبًا التافهة وأحيانًا كثيرة المدمرة، وإقصاء المفكرين والعلماء والأدباء عن الشاشات واعتبار ما يقدمونه مادة ثقيلة على النفس، كل ذلك يهدف إلى تغيير الهوية الثقافية الإسلامية لمجتمعنا واستبدالها بهوية مشوهة لا تنتمي إلينا ولا ننتمي إليها، لا تشبهنا ولا نقبلها.

ربما نستطيع تفسير ذلك – لو أحسنا الظن بأصحاب القرار – بالتفوق الغربي وسيطرته العلمية والتقنية وسطوته السياسية، والذي سمح للغرب القوي بالعمل على فرض نموذجه الثقافي والاجتماعي على دول العالم الثالث وخاصة مع توافر وسائل التواصل الحديثة التي تجعل نشر تلك الثقافة وأحيانًا فرضها أسهل. لكن السؤال المحير لماذا يخضع أصحاب القرار في بلادنا لهذا الضغط عندما يتعلق الأمر بالمخزون القيمي والأخلاقي والثقافي والذي يشكل روح أي أمة ؟؟!! 

يمتلك الغرب نموذجًا متطورًا على المستوى العلمي والتكنولوجي والإداري، ونموذجًا فاشلًا مترهلًا على المستوى الاجتماعي والإنساني، لذلك من المفيد والمنطقي استيراد النموذج الغربي التقني والعلمي ولكن بعد نزع إطاره القيمي والاجتماعي والثقافي واستبداله بإطار آخر يتناسب مع ثقافتنا وتاريخنا وديننا ورؤيتنا للحياة والمجتمع، سواء تمت عملية الاستيراد على مستوى الدول والمؤسسات أو على مستوى الأفراد. أما دون ذلك فما يحصل هو تدمير لمجتمعاتنا وزرع ألغام فيها سيؤدي انفجارها إلى إثارة النزاعات الداخلية في المجتمع وتفكيكيه وتحطيم قيمه بوعي أو دون وعي. المشكلة أن الإعلام الرسمي يقوم في معظم الأحيان بهذا الدور، وأن الجهات الممولة تدفع نحو هذا الانهيار بقصد أو دون قصد. الأمر أشبه بنقل كلية من جسم لجسم آخر دون إجراء الفحوصات والتحاليل اللازمة للتأكد من قابلية أنسجة الجسم الثاني لتلقي الكلية المستوردة. ستكون النتيجة رفض الجسم الغريب، والمصير المحتوم خراب كامل وسموم تأكل أعضاء الجسم ببطء لتنتهي به إلى القبر. هل هذا هو الهدف الحقيقي ؟؟ لا أدري.

 

Whatsapp