الحلم الممنوع


يوم تجرَّأ السّوريّون على الحلم، لم يعلموا أَّنهم يتجرَّؤون على انتهاك أعظم المحرَّمات، ويجترئون على ارتكاب أكبر الكبائر: تهديد حلم صهيون، نعم حلم صهيون. والحقيقة أنَّ السّوريين تابعوا الخوض في الممنوع فهدَّدوا أيضًا حلم فارس. ومع الجزر الَّذي لحق بحلمهم، انتشروا في بقاع الأرض، ليحملوا تهديد الأحلام معهم وينالوا نصيبهم من الافتئات والعنصريّة والافتراء.

سأعود قليلًا إلى الأسئلة الأولى الَّتي ما تزال بلا أجوبة حتّى الآن وتدور في أذهان كلِّ سوري، بمعزل عن علمه وثقافته وبيئته ومكان تواجده وصفة هذا التَّواجد، نزوحًا أو لجوءً أو هجرة أو عملًا أو دراسة. أوَّل وأهم هذه الأسئلة، لم اتَّبع النِّظام تلك الشِّدَّة المفرطة ضد السِّلميين؟ ألم يكن بالإمكان ترضية أهالي درعا وتهدئة الأمور منذ البداية ولكانت مكاسب الأسد أضعاف ما كسبه حتّى الآن وربَّما لن يكسبه بعد الآن؟

الجواب افتراضًا هو لا، والسَّبب المرجَّح: قرار أممي بمنع السُّنّة من رفع رؤوسهم، قرار بدأ تنفيذه على سنَّة العراق، فانظروا إلى ما حصل للبلد، مع أنَّ التَّحجيم كان قائمًا ومؤثِّرا وآتى أكله حتّى أعاد العراق إلى حظيرة دول العالم الثّالث وتركه في قاع التَّرتيب. ثمَّ انظروا إلى لبنان وما كانت نهاية الحريري فيه وما نال سنَّة البلد خاصّة والبلد عامّة من بعد إخراجه من ساحته، ثمَّ نأتي إلى اليمن وما حصل فيه من مآسي ومتاجرة. العامل المشترك في كلِّ الحالات الأخيرة لا يخفى على أحد: الحلم الفارسي، مدعومًا بحلم صهيون.

لكن، أن تنفجر الثَّورة في وجه الصَّبي المدلَّل، فتلك هي الكبيرة الَّتي لا يمكن السُّكوت عنها لسبب بسيط ويعرفه الجميع: لا بديل لكائن يحمل كلَّ الصِّفات الخلقيّة والمكتسبة المطلوبة لقيادة بلد حسَّاس من جهة الجغرافيا والسِّياسة والتَّأثير والثَّروة. لن يجد آل صهيون وأحفاد ماهان خيرًا من القائم حاليًّا لمتابعة الأحلام الوجودية. لذلك، اغتنم حملة الحلمين الفرصة، فكان القرار بتعديل كفّة الميزان الديمغرافيّة وجعل السّنّة في سوريّة مثل أيِّ قوميّة أو عرق أو طائفة أخرى: أقليَّة. وهذا ما حدث. ويتابع الحلمان تثبيت أركانهما، فحلم صهيون يبحث عن أثر يثبت وجود الهيكل المزعوم، ويحاولون مسح أيِّ أثر يؤكِّد فلسطينيّة المكان والتّاريخ. والأمر نفسه نراه الآن في سوريّة على يد أصحاب الحلم الشّيعي، من مسح لتاريخ البلد عبر الحرائق المفتعلة وآخرها حريق ساروجة وما هُدم من البيوت التّاريخيّة في عهد حافظ الأسد، وما هُرِّب من تاريخه على يد رفعت الأسد.

مع انتشار السّوريين في أرجاء المعمورة، حملوا معهم عن غير قصد محرَّمات كثيرة استغلَّتها كلُ جهة استقبلتهم لتدافع عن حلمها، وراحت تعمل على هزِّ الأرض من تحتهم. أحد هذه الأحلام هو الإسلام الوطني أو المحلّي الَّذي عمل الكثير على ترسيخه في مجتمعاتهم وإظهاره موروثًا محليًّا بحتًا، وذلك لقطع الصِّلات بين أبناء الدّين الواحد، والعمل على تحييد عاملي اللغة والتّاريخ من خلال هذا التَّوجُّه. 

ومنها أيضًا مفهوم القوميّة المحليّة القائم على الأوهام التّاريخيّة والإيديولوجيا المقيتة، الَّذي تزعزع خريفه مع انطلاق الربيع العربي، فكان لا بد من إطلاق العنان للثَّورات المضادّة للقضاء على هذا الرَّبيع وإعادة المنطقة إلى حظيرة العسف البائس.  

كما تدخَّل المال السِّياسي منعًا من انتصار الفكرة وردعًا للإرادة، فكان ضخه حمايةً لمنجزات الحلمين الصهيوني والفارسي، وأحلام أتباعهما. ليتشتَّت المجهود ويترأَّس السِّفلة ويتراجع المؤثِّرون من سياسيين وعسكريين وحتّى أصحاب الفكر والمثقَّفين، ويتحوَّلوا إلى مجرَّد "منظِّرين"، وينحصر دور المشايخ في التَّوجيه العقدي "أونلاين" وحسب.

إذن: لحماية مخطَّط الإسلام "الوطني" أو "المحلّي" ومنع مفهوم الأمّة من الاستيقاظ مجدَّدًا، ولحماية توجُّه هدم الأسس الثَّقافيّة القائمة لهذه الأمة على الموروث الإسلامي ببعديه القرآني واللُّغوي، والحفاظ على مدِّ الثَّورات المضادّة من الانحسار والعروش الَّتي تتوارى وراءها، كان لا بدَّ من إنهاك أركان الحوامل اقتصاديًّا وفكريًّا ثمَّ هدمها، وكان الوجود السوري المبرر المتوفر لتنحط عليه سهام الحماية تلك كلُّها.

المحرَّمات بدأت بحلم ... والحلم انطلق من صرخة ... والصَّرخة تحوَّلت إلى شعار، شعار هو الوحيد الَّذي أطلقته الثَّورة وثبتت صحّته حتّى الآن: يا الله ما لنا غيرك يا الله.

محمد أمين الشامي

 

Whatsapp