حين تصبح العنصرية سلاحًا لضرب الاقتصاد


هناك من يعزو تنامي الخطاب العنصري في الآونة الأخيرة ضدّ المهاجرين بشكل عام والعرب وخاصة السوريين، إلى الضائقة الاقتصادية التي تمر بها تركيا حالياً، ولكن باعتقادي أن الحملة الأخيرة التي ترافقت مع زيارة الرئيس أردوغان إلى دول الخليج العربي، يصحبه أكبر وفد من رجال الأعمال الأتراك ليحصد أكبر عدد من الاتفاقيات الاقتصادية والاستثمارات بعشرات المليارات من الدولارات يؤكد من جديد مزاعمي بأن من يقف وراء هذه الحملة العنصرية لا يريد للاقتصاد التركي أن يتعافى، فلا يعقل أن نجد بعض بلديات المدن السياحية مثل أزمير ومرسين وأضنة تلجأ لإزالة اليافطات من المحال التجارية المكتوبة باللغة العربية في أوج الموسم السياحي كترجمة عملية للخطاب العنصري ضدّ العرب في الوقت الذي كان فيه الرئيس أردوغان يجول في دول الخليج العربي! هذا من جهة، ومن جهة أخرى توجيه ضربة لقطاع السياحة وجميعنا يعلم أن عدد السواح الخليجيين ليس بالسهل وأن السائح الخليجي ليس كالسائح الأوروبي فهو ينفق أكثر بكثير من السائح الأوروبي أو الأميركي أو الروسي، وبالتالي توقيت الحملة يدفعني للاستنتاج بأن المستهدف منها ليس المهاجرين وإنما المستهدف هو الحكومة وحزب العدالة والتنمية لإظهارهم بموقف العاجز الذي لا يمتلك حلولاً لمشاكل المواطن المعاشية في ظلّ التضخم الذي تعاني منه الليرة التركية والغلاء العالمي.
لا يحتاج المرء للكثير من الفطنة كي يكتشف بأن من يقود الحملة العنصرية هي ذاتها الأطراف التي خاضت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وليس في جعبتها سوى ورقة اللاجئين وخسرت، وها هي تعيد استخدامها من جديد وبشكل أكثر شمولية ونحن على أعتاب الانتخابات البلدية رغم عدم جدواها في الانتخابات السابقة، وهذا يكشف لنا جانباً من عجز النخب السياسية في أحزاب المعارضة وعمق أزمتها الداخلية في عدم قدرتها على تطوير خطابها ولا حتى اجتراح أساليب وأدوات جديدة تحاكي فيها حركة التطور المجتمعي التي حدثت مطلع القرن الحادي والعشرين والتي قادها بنجاح حزب العدالة والتنمية واستطاع أن يغير وجه تركيا ويضعها في مصاف الكبار على المستوى الإقليمي والدولي.
إن من أكثر الجهات التي تعلم يقيناً بأن وجود اللاجئين السوريين كان رافعة للاقتصاد التركي هي أحزاب المعارضة ومع ذلك حاولت بكل جهدها أن تقنع جمهورها بأنهم سبب المشاكل الاقتصادية التي تمرّ بها البلاد، وأنّهم ـ أي المعارضةـ في حال وصلوا للحكم فإن أول إجراء سيقومون به هو ترحيل السوريين لتنتهي معاناة المواطن التركي.
مع حملة الترحيل والتشديد على كل من هو مخالف للقوانين والأنظمة، يبرز السؤال عن الدوافع الحقيقية وراء محاربة اللغة العربية الأمر الذي وصل إلى حد المطالبة بإعادة الأذان باللغة التركية وقراءة القرآن بها أيضاً وهذا ما جاء على لسان نائب زعيم حزب الظفر البروفيسور شاهين فيليز، وقد علقت صحيفة (يني شفق) التركية على تصريحه بالقول:" لم يكتفوا بمهاجمة اللاجئين، وبدأت حملتهم ضدّ الدين".
إذن هو صراع حول هوية تركيا وما قضية اللاجئين  إلا واحدة من أدوات هذا الصراع، ففي الوقت الذي يسعى فيه الرئيس أردوغان إلى الانفتاح على العالم العربي والإسلامي وخلق شراكة اقتصادية متينة وخاصة مع الدول النفطية الغنية نجد المعارضة تفعل العكس وتحاول جاهدة أن تضع العصي في العجلات، وعيونها ترنو نحو الغرب لتكون جزءاً منه ولكن أردوغان فوّت الفرصة عليهم حين وضع الاتحاد الأوروبي على المحك هذه المرة عندما وافق على عرض انضمام السويد لحلف الناتو على البرلمان التركي، وفي نفس الوقت طالب دول الاتحاد الأوروبي بالموافقة على انضمام تركيا للاتحاد، كرسالة واضحة لأحزاب المعارضة بأن من يعرقل انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي ليس حزب العدالة والتنمية بل دول الاتحاد نفسه حين قال:" لقد مضى على تركيا خمسين سنة وهي تنتظر على باب الاتحاد".
حين تنظر المجتمعات إلى العنصرية على أنها مرض لا يمكن التخلص منه والقضاء عليه من خلال القوانين فقط، بل من خلال العمل الدؤوب في نشر الوعي وتعزيز الحالة الوطنية والتركيز على الهوية الجامعة، حينها يصبح الخطاب العنصري منبوذاً من المجتمع نفسه فيأخذ بالتضاؤل والانحسار شيئاً فشيئاً إلى أن يختفي، وهذا ما أتوقعه من خلال متابعتي لما يدور من حوارات داخل المجتمع التركي نفسه الذي يتمتع بقدر لابأس به من الديمقراطية التي نفتقر إليها في مجتمعاتنا العربية مع الأسف.

ياسر الحسيني 

Whatsapp