الضربة الدولية ونصر الأسد المزعوم


ياسر المسالمة‏:

حول الضربة الأمريكية البريطانية الفرنسية على نظام بشار الأسد
مع ساعات الفجر الأولى من يوم السبت 14/4/2018م قامت الطائرات والبوارج الامريكية والفرنسية والبريطانية بإطلاق ما يقارب 110 صواريخ مجنّحة استهدفت عدداً من المنشآت العسكرية الحيوية التابعة لنظام بشار الأسد والنظام الإيراني في سوريا أدت إلى تدمير كلي أو جزئي لهذه المنشآت، لكنها بالتأكيد لم تكن الضربة المتوقعة من وسائل الإعلام والمتابعين للشأن السوري.
كانت الأيام الماضية أياماً مجنونة دولياً فالتصريحات والتحضيرات كانت تشير إلى عملية كبيرة تقصم ظهر النظام السوري والتواجد الإيراني في سوريا، فالرئيس الأمريكي تحدث بمنتهى القوّة وحشد عشرات القطع العسكرية البحرية والجوية لهذا الهدف ومثله فعلت رئيسة الوزراء (ماي والرئيس ماكرون)، في مقابل هدوء روسي واضح برغم بعض التصريحات هنا وهناك ما كان يشير بوضوح إلى عدد من التشعبات في خلفية المشهد.
كانت هناك مفاوضات عبر القنوات السرية وبعض القنوات العلنية للحؤول دون وقوع هذه الضربة وهو ما أخرها لعدة أيام، الأمر الذي سمح للنظام في تجنّب الخسائر الكبيرة التي كانت متوقعة منها، فيما بدى لاحقاً أنه اتفاق روسي أمريكي لتنفيذ ضربة تحفظ ماء وجه الدول المهاجمة في مقابل عدم تأثر النظام عملياً لترتسم ملامح الصفقة تدريجياً وهو ما سنراه خلال الأيام القليلة المقبلة.
في قراءة متأنية لما حصل نرى أنه لم يكن هناك ضربة حقيقية في الوقت الذي لم يحقق نظام بشار الأسد أي نصر برغم أن الصورة تبدو أن نظام بشار الأسد انتصر في هذه الجولة وخرج سالماً بصورة الصامد المنتصر، لم يخرج النظام من هذه الجولة منتصراً بكل تأكيد وإن بدى الأمر كذلك فالصفقة الامريكية الروسية تشمل نطاقات أشمل وأوسع من مجرد نظام إرهابي يقتل شعبه بالسلاح الكيماوي فترد عليه قوّات (العالم الحر).
اشترط الرئيس (ترامب) لتجنب الضربة أن يتم اخراج إيران وأذرعها الارهابية من سوريا وأن يتم تحييد بشار الاسد عن المسألة السورية وهو تماماً ما حصل عليه من هذه الضربة المحدودة، لكن هذا لم يظهر بعد، فقد حصل ترامب وحلفاؤه على ضمانات روسية بعودة نظام بشار الاسد إلى طاولة جنيف بعد إسقاط (آستانا وسوتشي) وعودة اللاعب الامريكي الماسك بكل خيوط اللعبة، هذه العودة وفق الضمانات الروسية لن تكون كسابقاتها بل ستدخل في صلب الموضوع للمرة الأولى، فموضوع الانتقال السياسي سيصبح الموضوع الأول وربما الأوحد على طاولة التفاوض القادمة، بينما تشعر إيران بالخطر من استدارة روسية تمثل في زيارة (علي أكبر ولايتي) الأخيرة لدمشق والتي حاول منها نظام ايران التأكد من ولاء من جنّدهم داخل النظام السوري ليضمن عدم التحاقهم بالمعسكر الروسي داخل النظام وهو الأمر الذي لا تستطيع طهران ضمانه مع تغير المعادلات الجيوسياسية في المنطقة، والاختلاف الذي بات واضحاً أكثر من أي يوم مضى مع الشريك التركي حول سوريا.
الاتفاق الروسي الامريكي هدف إلى تجنب وقوع صراع شامل بين الدولتين في سوريا التي باتت مجالاً حيوياً لكلا الجيشين، حيث تشير تجارب التاريخ أن أي صراع تتواجد فيه هاتان الدولتان سيؤدي إلى صراع مباشر بينهما سواء بقواتهما أو بالقوات الحليفة أو العميلة لكليهما لذلك كان الاتفاق على تجنب هذا الأمر وتقديم الحل السياسي الذي يمنح لهما كامل مصالحهما في سوريا.
الخاسر الأكبر من هذه الضربة سيكون النظام الايراني وعملاؤه في نظام الأسد، حيث ستشهد المرحلة القادمة حالة من الصراع بين جناح موسكو وجناح طهران داخل النظام السوري والذي سيكون مكلفاً لنظام بشار الأسد، في مقابل ظهور قوى عسكرية معارضة جديدة كان قد تمَّ تجهيزها أمريكياً وأوروبياً تعمل على القضاء على الأشكال المسلحة المعارضة القديمة بالتعاون مع تركيا التي ستكمل استدارتها في وجه إيران وروسيا قريباً، لتُمسك هذه القوات بزمام المبادرة وتحقق الوصول إلى المرحلة الانتقالية بالتعاون مع جناح موسكو داخل النظام السوري الذي يُتوقع له أن ينتصر في صراعه مع عملاء طهران، ليشكلوا معاً الجسم الانتقالي العسكري الذي يحافظ على شكل الدولة السورية الحالي مع بعض التغييرات الشكلية بما يحقق مصالح موسكو وواشنطن معاً.
بات الملعب اليوم في سوريا ملعباً استراتيجياً دولياً لا مكان فيه للاعبين الاقليميين أو المحليين، حيث سنشهد حالة استقطاب واسع النطاق لأحد المعسكرين الأمريكي أوالروسي، ليتشكل المشهد السوري من جديد على وقع كل ما جرى، بصورة سياسية من خلال تواجد الساسة من الطرفين النظامي والمعارض شكلياً لتوقيع اتفاقية انهاء الحرب في سوريا وفق ما تريده موسكو وواشنطن.
في المقابل تبرز بوضوح امكانية إخلال روسيا بهذا الاتفاق وتمسكها بالتعنت في حال قرأت ما جرى على أنه دليل قوة لها، لتحاول ابتزاز الولايات المتحدة وحلفائها عبر اصرارها على دعم نظام بشار الأسد ودعمها لعملية عسكرية لهذا النظام في المستقبل القريب، لكن الولايات المتحدة أخذت هذا الخيار بعين الاعتبار عندما وافقت على بدء لجنة التحقيق في دوما لعملها وفي ذات الوقت حركت عدداً من قطع اسطولها باتجاه البحر المتوسط واعادت تمركز قواتها في المنطقة بحالة استعداد دائم، وهو الأمر الذي يجب على موسكو أن تخشاه فعلياً ما لم تنفذ ما تمًّ الاتفاق عليه.
بالنسبة لنا كسوريين، فإن كل ما يجري هو خارج عن إرادتنا وخارج عن نطاق سيطرتنا أو قدرتنا على التفكير به، حيث نقف في موقف المشاهد الحيادي بينما يتم التخطيط لمستقبل بلادنا في عواصم العالم دون شراكة منّا، ما يدعونا للتفكير جدياً في آفاق عملنا السياسي والعسكري والخروج بحلول قابلة للتطبيق من خلال عودتنا إلى جذور ثورتنا وتمسكنا بأهدافها وإصرارنا على العملية السياسية التي تزيل نظام بشار الاسد وتلغي كافة الاحتلالات المتواجدة على أرضنا من خلال تيار وطني جارف يحقق لنا هذه المعادلة المستحيلة.

 

Whatsapp