القضية الأحوازية والثورة السورية


أحمد مظهر سعدو:

لا يبدو أن الشعب الأحوازي بصدد التخلي عن قضيته، أو التراجع عن أحلامه، وصولًا إلى الاستقلال التام عن دولة الفرس، التي احتلت أرضه منذ 93 عامًا أو يزيد، كما أن الشعب الأحوازي الذي قدًّم الكثير من الشهداء، وارتوت أرض الأحواز العربية بدمائه، وعانى ما عاناه من  قسوة المعتقلات الفارسية، ومن ضغوط معاشية أخرى ، مازال يعيشها يومًا بعد يوم، وساعة إثر ساعة، ومن تمييز عنصري ضد العرب في ايران، يطال حيوات الناس في الأحواز، بشكل أقل ما يقال فيه، أنه لا يتسق مطلقًا مع الدين الإسلامي الحنيف، بل ويتناقض كلية مع كل ما ترفعه حكومات نظام (الملالي) المتعاقبة من شعارات، بل يضع أهل الحكم في طهران في سلة العداء للإسلام والمسلمين، ويشير وبشكل واضح إلى كذب ادعاءات حكم (الملالي) في إيران، من التبجح بمسألة التقارب بين المذاهب، وما شابه ذلك من أفعال تتنافى مع كل ما جاء به الإسلام، بل وتتعدى ذلك إلى الاصطفاف في الطرف المعادي للإسلام والمسلمين، فعلًا وممارسة قبل أن يكون قولًا، وهو ما يوافق ما يقال من أن مسألة التشيع (أصلًا في ايران) قد جاءت كمسألة سياسية  صفوية، وركوبًا على صهوة الدين الإسلامي الحنيف، وتمسحًا بذلك، من أجل تحقيق طموحات الفرس في إعادة صولجان (كسرى أنو شروان)، حين مرًّغ العرب المسلمين أنفه بالتراب، ويوم انتصف العرب من العجم، فهم مازالوا يحملون أحلام ذلك، ويعملون ميدانيًا من أجل عودة الصولجان ليس إلا، سواء بقتل الشعب الأحوازي، والسيطرة على أراضيه وثرواته، أو عبر امتداد فكرة تصدير الثورة الخمينية، لتصل إلى بلاد الشام، وهو ما نشهد فصوله اليوم، حيث يقاتل المحتل الإيراني، في سورية من أجل الوصول إلى مشروعه الفارسي البغيض، وسط صمت مطبق من العالم العربي والإسلامي أولًا، ومن ثم الإقليمي والدولي، ليُترك الشعب السوري في الغوطة الشرقية وسواها، يلاقي الويلات ،عبر القتل بالصواريخ والبراميل، أو الكلور والسارين والغاز، إلى تهجير السكان الأصليين باتجاه شمال سورية، ليتم إحلال آخرين بدلًا منهم، كانوا قد جاؤوا بهم من كل بقاع الدنيا، عبر ميليشياتهم الطائفية الشيعية، من الباكستان وأفغانستان ، ولبنان والعراق، وغير ذلك.
وبينما يتابع الشعب العربي الأحوازي انتفاضته اليوم، ضد المحتل الإيراني، يُدرك العرب ولو متأخرين، أن الخطر الإيراني ليس خطرًا على الأحواز وسورية ، واليمن ولبنان والعراق فحسب، بل هو خطر أكيد بات يهدد المنطقة برمتها، ويدفع بالجميع إلى توخي الحذر، وإعادة رسم خارطة طريق، ومشروعًا عربيًا إسلاميًا واضح المعالم، في مواجهة المشروع الإيراني، الذي يتحرك استراتيجيًا، في الواقع العربي، ويحقق ما عجز عنه في سنوات وحقب سلفت، هو اليوم يحقق ما عجز عنه في سورية والعراق واليمن، ويتطلع إلى امتدادات أكثر خطورة، يمكن أن تطال دول الخليج عمومًا، وإذا لم يتنبه الجميع لذلك، ويقفوا في مواجهة هذا التمدد الإيراني الفارسي الطائفي، فسوف ينطبق عليهم قول من قال يومًا ( لقد أُكلتُ يوم أُكل الثور الأبيض)، وهذا ليس مجرد تحليل لما يجري، بل نحن نشهد جميعًا، فصوله وخطواته على الأرض، ومن يعيش في سورية هذه الأيام يدرك أن من يحكم في سورية ليس نظام المجرم السفاح بشار الأسد، بل هو حكم (الملالي) الإيراني، وهو الذي يتحكم بكل صغيرة وكبيرة، وهو من يأمر بضرب الكيماوي على الشعب السوري، وإلقاء البراميل المتفجرة، وهو الذي يُهجِّر أهل داريا وجوبر والغوطة كلها، وهو من يدفع مرتبات (الشبيحة)، ويساهم في الدعم المالي للبنك المركزي السوري، ومن يدرب (الشبيحة) في طهران ولبنان، وداخل سورية.
إن دعم الثورة الأحوازية اليوم، ودعم الثورة السورية، هو واجب العرب جميعًا للدفاع عن أنفسهم أولًا، وللذود عن حياض الأمة التي إن لم نتدارك سقوطها في أيدي الإيرانيين، فسوف يكون اليوم الذي لا ينفع فيه الندم، ولسوف نتذكر وقفة أم (محمد الصغير) آخر ملوك الأندلس عندما وجدت ابنها جالسًا على صخرة مطلة على قرطبة وهو يبكي، فقالت له (ابكِ كالنساء ملكًا لم تحافظ عليه كالرجال). وحتى لا نصل إلى هذه الحال، وحتى ندرك ماهية أوضاعنا ونتلافى أخطاءنا، علينا التصدي جميعًا وبكل ما أوتينا من قوة، لهذا التتري المغولي المقبل نحونا من بلاد فارس، ونواجهه مجتمعين وليس متفرقين، ملتحفين بالصدق والأمانة، ومعتمرين بالقيم الحق، دون التخلي عن الإعداد الجيد، بالسلاح والعتاد والعلم، والتوحد حول كلمة سواء، ورأيٍ ومشروعٍ عربيٍ نفعي مصلحي واحد موحد، متكئين على مقولة طالما نادى بها الشعب السوري، عندما خرج بثورته أواسط آذار 2011 ثورة الحرية والكرامة ، وهو يقول (واحد واحد واحد الشعب السوري واحد) وهي تنطبق اليوم أو يجب أن تمتد لتكون ( واحد واحد واحد الشعب العربي واحد) من الأحواز شرقًا إلى دمشق إلى الرياض إلى القاهرة والرباط والجزائر.
 ويبدو أنه لا مناص اليوم من العودة إلى التمسك بمنهج العروبة والإسلام، والتوحد حول ذلك، بلا (شوفينية)، ولا تعصب، ولا تكور على الذات، حيث الانفتاح على الآخر صار سمة العصر، ودون التخلي عن الأسس والمبادئ والثوابت، وصحيح أننا جزء من هذا العالم، والعولمة جعلتنا قرية واحدة، وخلقت آليات للعمل والحركة، لابد قائمة، لكن هذا لا يعني أن نسمح لطغاة العصر من مجوس وفرس أو طغاة الشام، أو حوثيين أتباع إيران، أو مشاريع صهيونية استيطانية، تريد مع الفرس أن يبتلعوا المنطقة العربية برمتها.
 المطلوب الآن وأكثر من أي وقت مضى إعادة الاعتبار لوحدة الأمة، والتمسك بثوابتها، والاستناد على ثورات الربيع العربي، ودعم ساحاته التي ماتزال مستمرة، كثورة الأحواز، وثورة الشعب السوري، ولعل ذلك فيما لو تم التفكير فيه ونحن على أبواب قمة عربية، ينتج مآلات جديدة متجددة، يمكن أن تضعنا في أنساق حديثة، تُمكِّن الأمة كل الأمة من الوصول إلى منتهى نهاراتها الأكثر إشراقًا.

 

Whatsapp