حارس الوهم


علي محمد شريف:

كثيراً من العمرِ أحرقتِ 
لا بأسَ.. يحدث 
أن تبرق الرّوحُ في وحشةِ الأربعين
وأن تتلبّد أسماؤنا 
بغتةً
باحتمال المطرْ
يحدثُ الرّعدُ في غفلةٍ عن صغيركِ
لا تجرحي الأرضَ 
أو تطمري في الثّرى بلح الخوفِ
والشّهواتْ
 
كثيرٌ من الشمعِ 
سالَ
ولم تلتئمْ صورةُ النّهرِ والغائبينْ 
مذاق الهواءِ ثقيلٌ 
ومرٌّ سؤالكِ 
عن ضفّةٍ لم تعد من نزهة الأمسِ
عن نكهةِ الشّايِ بالزنجبيل 
وعن فتيةٍ 
لن يضيئوا سطوح المنازلِ
هذا المساءْ

على خشبٍ شاحبٍ  
يرجف الضوءُ
تكتظّ في رقصةِ الظلِّ ألويةٌ
وخيولٌ 
ورائحةٌ تخِزُ القلبَ..
لا شيء يومئ للغدِ
كي تطردي عن سياج الحديقةِ 
وشوشة العابرينَ
ودندنة الحارسِ الخزفيِّ
لا ريحَ 
تحملُ ريش الكلامِ 
إلى جمرة الحلقِ 
لا ريحَ
تقرع أجراس صمتكِ 
في رمدة الوقتِ 
لا ماءَ 
يغشى تراب الجسدْ
أنصتي مرّةً للطريقِ 
تذوبُ الحقيقةُ
في الرّغباتِ الوشيكة للحلمتين
وحين ارتباك العصافير
عند الزوالْ 
ولا برقَ يومئُ 
في اللّمعان المراوغِ للغيمِ
أو في ارتعادِ الأصابعِ  
والبردُ منفى لقلبكِ
اَلبردُ والّليلُ تذكرتانِ 
معلّقتان بصمغِ الرّحيلِ

كثيراً من الشمعِ ذوّبتِ في حجرةٍ 
تمضغ العمرَ 
لا تتركي أكرةَ الحلمِ
تصدأُ
فالذّكرياتُ قناديلُ 
تظمأُ
إن مسّها العتمُ 
أو لامس الذّعرُ عروتها 
الذكرياتُ قميصٌ من الزّهرِ 
صورتنا  
حين تبهتُ في فضّة الوقتِ
أحلامنا 
حصّة الأمِّ في كعكةِ العرسِ   
أو ما تبقّى من الوهمِ
في موقد الزّعفران 
هنا
حيث تنبتُ في الثلجِ أغصان روحكِ
تبدو الحقيقةُ  
حمقاءَ 
تنضحُ ملحاً وماءْ
وهذي البلاد التي تنقع الشرق 
بالشكّ ِ
تمنح جرحك تأشيرةً
للغناءْ

كثيرٌ من العمرِ
مرَّ 
ولا بدّ أن تنصتي لانتباه العناقيدِ 
أن تطعمي النوم فاكهةً 
من ثمار الخطيئةِ 
سوف يمرّ القطارُ
ونصعدُ   
بابٌ من الشّوحِ يفصلنا 
عن شتاء المدينةِ 
خفٌّ طريٌّ
وثوبٌ خفيفٌ من القطنِ 
يكفي
لكي يشرد البرتقالُ
وتعبر «جسر المراكبِ» 
أسرابُ خوفكِ
كي تشهدي الفجرَ 
كيف يفتّح أزرار «باب المرابطِ»
لا شيء ممّا تركتِ    
تبدّدَ 
لن يخطئ النهرُ تهجئة العطرِ
والعشبُ ثرثار ُيذكرُ 
ملمس خُفّيكِ 
والجوربَ السكّريَّ
والأرجوان المذهّب في ثنيةِ الوركِ 
والزّغب المنتشي بالقرنفلِ 
هل أنزوي..؟  
«خانُ رستمَ» ليس بعيداً عن الحصنِ
والخطواتُ التي تُنبتُ الأقحوانَ 
تدلّ الغريبْ.

كأن النّعاسَ يدٌ 
تقطف الحزنَ من بيتكِ الحمَويِّ 
وتلقي إلى شهوةِ الماء
مائدةَ الخيزران
تنحّي قليلاً
إلى حيث لا شيء يخطف من ناظريكِ الأمان
وشُمّي غطاء السّريرِ المهفهفِ
رائحة القنّب المتعانقِ 
فوق الجدارِ
وصندوق عرسٍ تزمّل بالأمنياتِ
هنا فسحة للبنفسج 
لم تنتبه للخريف
ومرود كحلٍ تنسّم جمر الحكاية
عطرٌ قديمٌ
وناي
تنحّي إلى صورةٍ في الظلالِ 
ففي بيرق الغائبينَ
سلامٌ 
لأكثرِكِ المطمئنِّ

كثيراً من العمرِ 
أهرقتِ
لا صوتَ للوقتِ 
حين يزركشُ صدركِ بالجلّنارِ  
وينحت بالماءِ خصركِ
لا صوتَ للوقتِ حينَ يعضّ الشفاهَ 
وينثر في راحتيكِ رماد المواعيدِ
لا صوتَ للموتِ. 
صوتُكِ 
يعبر من ضفّةٍ للعويلِ وحيداً
إلى شارعٍ مجهشٍ بالبكاءْ.

Whatsapp