الحياة طريق


-من عادتك أنتمرّ من هنا؟!.سألني صاحبي قبل أعوام كثيرة مضت.

قبل أن تتاح لي فرصة الإجابة حينذاكأشار بيده إلى مكان ما وأردف قائلاً: ما أجملها من شرفة، هناك حيث حطّت للتوّ حمامتان، أليفة، ناعمة، مكتنزة بأزهارها وورودها ورياحينها، تشي بما هو أكثر من الأناقة والهدوء، كما لو أنّ دفء العالم يجتمع في تضاعيفهاالمنمنمة.

كان الوقت أواسط نيسان والشمس، حزماً من النور مذهّبةً ومتباعدة، تتسلل من بين ندف القطن المتجمّعة كالقطائف على ثوب ناصع الزرقة ترتديه السماء.

أعرفه، هذا البيت، لقد زرت حاتمَ صديقي مرّات عديدة فيه، وهذا الشارع الضيّق طريقيالدائم إلى بيتي في الطرف الآخر من الحيّ حيث أسكن.

تلك الشرفة وقرميدها الأبيض المزخرف في بيت حاتم، كيف لم ألحظها، من قبل، وكيف لم أرَالمشربيّة المعتّقة بما يشبه البنّ والعسل، تتدلّى كأيقونة على صدر بيت الأستاذ إبراهيم، وتعلو بابه الخشبيّ المطعّم بالنحاس،وذاك النقش البديع على قوس حجريّ يبارك الدالف إلى منزل الحاج مصطفى الحلبيّ،وهذيالدالية المعمّرة تطاول بناء الداية فريدة لتعرّش على سطحه، ودرابزين الحديد المزركش المطليّ بالأخضر،والرصيف البازلتي وبلاطه، وعدداً لا نهائيّاً من الخطى للمارّة الطيبينتركت بصماتها على أحجاره تموّجاً ولمعاناً، كيف لم أنتبه لهذه المفاتن عبر سنوات من المرور في هذا الطريق ذهاباً وعودة إلى منزلي، وتساءلت: كم مرّة نظرتُ إلى السماء..؟؟؟

نختار أقصر الطرق للوصول إلى غاياتنا ونمضي منشغلين عن كلّ ما حولنا، وعمّا يحفّ بحواسنا من ألوان وظلالٍ ومكامن للفتنة والجمال، لاهثين، غارقين بذواتنا المسوّرة بالخوف والقلق، نخفّ بخطوات لا تترك من حولها إلاّ الغبار والضجيج.

علي محمّد شريف

رئيس القسم الثقافي

نتكتّم على حلمنا، نغلّف مشاعرنا ولهفتنا الواثبة بصمت أخرس، ونطفئ لمعان رغباتنا في عيوننا كي تبدو مجرّد كرات من البللورضامرة وباهتة. إننا هكذا ببساطة نمضي واهمين إلى الضوء عبر سراديب أنفاقنا المظلمة.

لا أحد في هذا العالم لا يملكفي كلّ مرحلة من مراحل عمره حلماً يخصّه، وآمالاً ورغبات إنسانية يسعى لتحقيقها. لا أحد يفشل إن هو بذل الوقت والجهد للوصول إلى ما يبتغي، النجاح حليف مخلص لمن يملك العزيمة والإرادة.

قد يكون الطريق إلى الحلم أجمل من الحلم. بمجرّد تحققه، يغدو ما حصلنا عليه مستحقّاً وطبيعياً، لا بل تحصيل حاصل.لكنّ شيئاً ما ضاع في زحمة البحث عن ضالتنا، هناك ما يتفلّت من عمرنا المهدور في حمّى لهاثنا خلف ما سيأتي في أوانه، وفي موعده الثابت، إنّه كل ما حولنا ويحيط بنا من بهجة الحياة، لقد وصلنا إذاً متعبين وظامئين.

وأنت تحثّ الخطى نحو العمل أو تجرّ قدميك إلى بيتك لا تنشغل بهمومك عن مباهج الطريق.

وأنت تنطلق إلى موعد أو حفلة أو نزهة لا تغفل فرجة الطريق.

وأن تتهيأ لسفرٍ قريب أو بعيد لا تهمل حصة الطريق.

وأنت تجني حظك من الثروة لا تنسى حظّ الطريق.

وأنت تقطف نصيبك من العلم لا تنسى ثمار الطريق.

وأنت تخطط لحلمك لا تنس أن ترسم الطريق.

ستحتاج إلى السبل لبلوغ أهدافك وغاياتك وأحلامك جميعها فأحسن اختيار الطريق.

الطريق منهج ومعلّم ومدرسة، مسرح وديكور،ممثلون وجمهوروشريط سينمائي طويل من المشاهد والصور، والطريق معرض مستمرّ تتشكل فيه اللوحات وتتعدّد المذاهب وتتمازج الألوان وتتمايز.الطريق إلى ما نريد خيارنا الذي تتشكل فيه صورتنا التي نريد.

يمكن لأرواحنا، في سعينا الملتاث، أن تتنفّس هواءً نقيّاً متاحاً في كلّ ذرّة من حياة تحيط بأجسادنا، ويمكن لحواسنا أن تنهل من حكمة الينابيع ما يكسبها أناقة ونبلاً ورهافة، ويمكن لنا أن نتنسّم العطر والمعرفة وأن نكتشف مكامن الدهشة والجمال لو أننا انتبهنا جيّداً إلى تفاصيل الطريق.

          

 

 

Whatsapp