في ذكرى الثورة السورية المراجعة باتت ضرورية


إذا كانت الكتابة فعل وجود فإن الثورة فعل مستقبل، فعندما يطرح السؤال على الكاتب عادة، بمعنى لماذا تكتب، يكون الجواب غالبًا من أجل بقائنا ووجودنا، من أجل حيواتنا وإثبات أن الفعل الكتابي هو نفسه الفعل الذي يحافظ على وجودنا، بينما اليوم ونحن نحتفي بإتمام ثورتنا ثورة الحرية والكرامة عامها الثامن، فإن ما يصعد للمخيال دائمًا أن هذه الثورة كانت وسوف تبقى فعل المستقبل السوري بامتياز، وهي هي من ستسم ملامح القادم من مستقبلات السوريين، وهي نفسها من ستعطينا الأمل الدائم بحيوات أفضل، وإشراقات أبهى، وإمساك بيد الكرامة التي افتقدناها على يد المجرمين/ الأب والابن من آل الأسد، والثورة أيضًا تعيد رسم نهاراتنا ومساءاتنا على أسس راسخة من الحرية التي ألغوها كلية في مجتمعاتنا، حتى بات الفرد منا يهمس همسًا، إذا ما أراد الحديث في السياسة، خاصة عندما تلامس هذه الأفكار السياسية عوالم لا يسمح الطاغية بها، أو تناقش أدواته السلطوية، وسياساته الطائشة، أو صاحبة الدور الوظيفي، للأب ثم الابن، بعد أن سلمته اولبرايت يومًا مقاليد الدور الوظيفي لأباه، بعد أن رحل إلى غير رجعة.

اولبرايت التي أنبتت الفطر في الظلام ، فكان سامًا، ورسمت به ومعه ملامح الأيام العجاف للشعب السوري المسروق والمنهوب، عبر الطبقة الفاسدة والمفسدة، التي أنتجها حكم العصابة الأسدية، عبر عقود خمسة خلت، هي نفسها أي السياسة الأميركية اليوم من تساهم في إعادة تأهيل المجرم الصغير، الذي قتل ما ينوف عن مليون سوري، وهجر ما يزيد عن نصف الشعب السوري تهجيرًا قسريًا يشهد له القاصي والداني، بين الداخل والخارج ، وهو يصر حتى اليوم على الاستمرار في القتل وسفك الدماء في ادلب وريف حماة وريف حلب، والعالم المتحضر يقف متفرجًا فاغرًا فاه، دون أي وازع من ضمير أو دافع من أنسنة للإنسان، في عالم تسوده العولمة المتوحشة، وتعاقره المصالح البراغماتية، وتلاطمه أمواج الدول الكبرى شرقية أو غربية، في وقت يغرق فيه معظم النظام الرسمي العربي، في مشاكله وانفلاتاته الذاتية، دون الالتفات لما يجري في الشام، والوطن السوري الجريح.

في هذه الذكرى يبقى موضوع المعارضة السورية المتخبطة في أنويتها، ولا فاعليتها، واستقالاتها العملية من دورها المفترض، وهي ماتزال متربعة على ناصية المؤسسة أو الهيئة التي تقودها، وهم من  جاؤوا من أجل الشعب السوري ، كما يصرحون دائمًا، ها هم اليوم يسلمون كل أوراق الحل للخارج، حيث تغرق هذه المعارضة في عجزها وانكماشها، عن الفعل المطلوب، وهنا لا نستثني أحدًا فالجميع يشارك في اللا جدوى ، الجميع من معارضة سياسية وعسكرية، أوكل كل شيء للخارج ، بينما لم يعد من أصدقاء الشعب السوري الحقيقيين إلا القليل كتركيا وبعض الدول الأخرى، وهم قليل قليل.

وقد نسي هؤلاء أن من يتنطح لقيادة مرحلة سياسية من معارضة أو حكم، عليه أن يقف أمام شعبه معترفًا ومراجعًا نفسه، ومنسحبًا من العملية برمتها، خاصة عندما يصل إلى اللا جدوى والفشل، وهو يكون مسؤولًا أمام شعبه، بل متحملاً للمسؤولية كلها، هكذا يفعل الواثقون بأنفسهم، والواثقون بشعبهم، لكن من يصر على الإمساك بالمكتسبات الشخصية، ومن يقدمها على كل ما هو عام ووطني، لابد أن يدرك ويعي أن الشعب سوف يحاسبه يومًا، ولعل حساب الشعب سيكون عسيرًا، وعسيرًا جدًا والشعب لا يرحم من يفرط بالأمانة.

في ذكرى الثورة السورية لابد من الاعتراف بالأخطاء، ومراجعة الذات مراجعة موضوعية، لا تحابي أحدًا، ولا تضع كل البيض في سلة واحدة، مهما اعتقدنا بمتانة السلة أو حواملها، ولا ضير من شجاعة قرار الاستقالة لمن يجد أنه لا يقدر على القيام بواجبه تجاه شعبه، ولعل مثل ذلك يكون الأرحم والأصدق والأنقى، إذ يبدو أن المرحلة القادمة من حياة الثورة السورية تحتاج إلى الخبرات أكثر، كما تحتاج إلى الشجعان أكثر وأكثر، ولا أعتقد أن شعبنا العظيم لا يملك بين ظهرانيه الكثير منهم، وممن ينحون جانبًا كل مصالحهم الشخصية، ويمسكون بمصالح الوطن كل الوطن، مصالح الشعب السوري الواحد، بعقد اجتماعي جديد ومتجدد، جامع ومانع، لا يقبل أي دور للاستبداد بعد اليوم، فهل نحن قادرون؟

 

أحمد مظهر سعدو

رئيس القسم السياسي

 
 
Whatsapp