كان لجوء نظام الحكم في سوريا إلى إيران لتنصره على شعبه خطأً فادحاً، ولم يكن الشعب السوري يحمل مشاعر كراهية للإيرانيين، وقد اعتبر تحررهم من نظام الشاه انتصاراً للحرية وخلاصاً من السيطرة الأميركية، وعلى مدى عقدين بعد قيام الثورة الإيرانية كان السوريون في عهد حافظ الأسد يحسنون الظن بموقف إيران من القضية الفلسطينية، ولم يكن ثمة دافع آخر يربطهم بإيران غير التوافق على الموقف من الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والجولان وجنوب لبنان، ولكن السوريين عامة يستنكرون احتلال إيران جزر الإمارات ونظرتها الطامعة بالخليج العربي.
وعلى الرغم من وقوف النظام السوري إلى جانب إيران في حربها ضد العراق، فقد كانت قلوب السوريين مع أمتهم العربية، ولم يكن اندفاع سوريا نحو إيران حاراً، وهذا ما جعل العلاقات السورية مع إيران تنحصر في المستوى الرسمي، ولم تلق الأنشطة التي تقوم بها السفارة الإيرانية في سوريا اهتماماً شعبياً، لأنها ذات صبغة دينية صرفة، ولم يكن لدى الشارع السوري أي تجاوب أو نفور من حرية الشيعة في إقامة شعائرهم المذهبية، فسوريا دولة علمانية - كما يفترض - تتيح لكل الأديان والمذاهب أن تمارس شعائرها، وأهل السُنة وهم الأكثرية في سوريا يحتفون بآل البيت، وكثير من السوريين على صعيد شعبي لا يعرفون معنى «ولاية الفقيه»، ولا ينتظرون إماماً غائباً، وغالبية العلويين في الطبقة السياسية الحاكمة علمانيون، لا يشكل الدين هاجساً لديهم، وبعضهم جعفريون، وهم أقرب إلى أهل السُنة دينياً، ولم تكن قضية الطائفية الدينية قيد التداول.
ولم يتمكن سفراء إيران الذين توغلوا في المجتمع السوري من تحقيق اختراق عقائدي رغم ارتدائهم ثياب الثقافة، فقد كانوا يهتمون بالموتى، وبنبش الماضي بينما الشباب السوريون يتطلعون إلى المستقبل، ولا يعنيهم إحياء الصراع على الأحقية في الخلافة قبل أربعة عشر قرناً.
ولم تنجح المشاريع الاقتصادية المشتركة بين سوريا وإيران (وأبرزها مصنع السيارات) ومصانع الأدوات المنزلية، ولم تحقق البضائع الإيرانية رواجاً، لأنها صناعات متخلفة تقنياً، وهناك منافسة دولية ومحلية مهمة، وحتى بعد سنوات الدمار، يرى السوريون روسيا أهون الضررين، لأنها لا تدعوهم إلى تغيير عقائدهم، ولا تبشرهم بمذهب أو دين، وليس لديها مشروع لضم البلدان العربية إلى إمبراطورية قيصرية، بينما تخطط إيران لاستعادة إمبراطوريتها قبل ظهور الإسلام، وهي لم تتقدم قط إلى جيرانها العرب بأي مشروع تصالحي، واستيلاؤها على العراق ولبنان وسوريا وعبثها القاتل في اليمن يعمق الهوة بينها وبين العرب.
ولقد كان تدخل «حزب الله» عسكرياً في سوريا باسم إيران، وارتكابه جرائم الإبادة ضد الشعب السوري بداية النهاية لهذا الحزب الذي انكشفت حقائق عدائه للعرب عامة، وهو المسؤول عن بث سموم الطائفية في المشهد السوري، لأنه استقدم صراعات التاريخ منذ أن أعلن أنه قادم للثأر ولمنع «سبي زينب»، وكأن «يزيد» هو الذين يحكم سوريا الآن.
ولو أن «حزب الله» وإيران تدخلا وسطاء بين النظام والشعب، واستخدما نفوذهما لنصح النظام باستجابة حكيمة لكان موقعهما مختلفاً عند السوريين.
ويبدو أن الخلافات العميقة بين مشروعي روسيا وإيران ستظهر إلى السطح قريباً، وسيجد النظام نفسه أمام خيار صعب، وزيارة الأسد إلى طهران لتقديم الشكر لخامنئي على دعمه لبقاء الأسد في السلطة تأكيد لولائه للمشروع الإيراني، وهو مشروع محكوم بالإخفاق، لأنه ضد إرادة الشعب وضد حركة التقدم الإنساني، ولئن تمكن التدخل العسكري الإيراني والروسي من تهجير نصف المواطنين السوريين وتشريدهم، فإن النصف الباقي لن يقبل بحكم الملالي، ولن يجد مستقبله في مستنقع التاريخ.