لا لم تكن انتفاضة أهالي درعا الأخيرة احتجاجًا على إعادة نصب تمثال المجرم الأب فقط، كما لم يكن يدور في خلد كل من آمن بالثورة السورية، ثورة الحرية والكرامة، أنه من الممكن أن تخبوا هذه الثورة السورية المباركة، التي كلفت الشعب السوري ما يزيد عن مليون شهيد، وما يتجاوز ال 400 ألف معتقل، وجعلت أكثر من نصف الشعب السوري مهجرًا تهجيراً قسريًا، داخليًا أو خارجيًا.
لقد كانت وقفة (الحوارنة) مؤخرًا التعبير الأصح عما يجول في خلد كل السوريين، وهي التأكيد على أن روح الثورة باقية، وكل جحافل المغول الأسدي أو الفارسي أو الروسي، بل وكل الميليشيات الطائفية (المستجلبة) من كل بقاع العالم، لن تثني السوريين عن الاستمرار في ثورتهم، بينما تلج عامها التاسع، فلا يظننن أحد أن ثورة بهذا الحجم يمكن أن تتراجع أو تخبوا، حتى لو تخلى عنها معظم أصدقاء سورية.
وهي اليوم تؤكد تماسكها وصلابتها في درعا وادلب وحلب وحماة وكل سورية الحرة، ولن تألُ جهدًا عن القيام بإحياء سلميتها التي انطلقت على أساسها ضمن ظروف جديدة ومتجددة، وبعد أخذ العبر والدروس من كل الأخطاء والهنات التي وقعت فيها خلال حراكها.
الأديبة والشاعرة السورية ابتسام الصمادي تحدثت لإشراق بقولها " تبدأ الثورة المباركة اليوم مرحلتها الثانية بعد أن انتهت المرحلة الأولى وهي مرحلة الفوضى والارتجال. نحن الآن على أبواب المرحلة الثانية بعد أن نفضت عنها غبار المتسلقين والمنتفعين الصغار والعملاء المرتهنين، وفضحت كل الخطط المضادة التي يقودها النظام داخلياً والنظام العربي الرسمي خارجياً، بالتنسيق مع النظم الدولية والصهيونية التي وضعت وكرست بالأساس هذه الأنظمة على رقاب العباد وثروات البلاد". ثم قالت " لا ندّعي أن الثورة ستنتهي كما ابتدأت من درعا فهي أكبر من أن تكون محمولة على جزء دون آخر، إنها ثورة الحرية في كل الأصقاع، لذلك سينتفض طائر فينيقيا في كل مكان، ستبدأ مرحلة الهيكلة والتنظيم بل يجب أن تنتفض كل المحافظات بوعي ثابت وعميق كما بدأت من اليوم الأول، إنها طبيعة الأنهار التي لا تعود إلى الوراء ".
أما الباحث السوري عصام المحاميد فأكد لإشراق أنه " لن تموت فكرة الثورة. وستبقى تتفاعل فوق كل شبر من أرض سورية. أساء لها كل من يكرس نهجًا لا علاقة للسوريين به، ودفعوا بشباب من حلة السلاح ليكونوا في مقدمة العمل السياسي، الذي لا خبرة لديهم فيه وأبعدوا العقول والخبرات، فكانت دروس ونكسات كارثية. لكنها أظهرت مثالب وخلل ما وقعنا به عبر أوهام" ثم أضاف " إن دعاة الدولة الدينية يقزمون رسالة الاسلام العظيمة ويسخرونها لمآربهم وإنهم يسبحون ضد تيار صحيح الاسلام ويخالفون سنن الكون. وستنجلي هذه المعاناة وصولًا لاعتناق قيم الحداثة والتنوير. قيم المواطنة والمدنية والعدالة والمساواة. ولعل ما جرى مؤخرًا في درعا نقطة البدء لمسيرة متجدده تخلصت من أوهام الرجعية. والتي أخطرها الطائفية، واستحضار الماضي ". من جهته الكاتب والمعارض السوري أسامة المسالمة أكد لصحيفة إشراق أن " أهالي درعا
خرجوا في تظاهرة سلمية أكدت أن أبناء هذه المدينة مازالوا محافظين على أهداف وشعارات وحقوق ثورة الحرية والكرامة التي انطلقت في 18_3_2011في درعا البلد معلنة أن السوريون قد أسقطوا حاجز الخوف، الذي كبل البلاد لزمن طويل. لقد جهد العالم بشرقه وغربه ومن نصب العداء للسوريين أو إدعى صداقتهم، عملوا جميعاً جاهدين لحرف مسار هذه الثورة عن أهدافها ومسارها ولكلٍ كان له غاية ومصالح، ولكلٍ أسلوب وطريق فمنهم من دفع المال السياسي للإفساد، ومنهم من أنشأ التيارات التكفيرية والتنظيمات الطائفية العابرة للحدود ومنهم من ساهم بآلته العسكرية، فكانت غاية الجميع إنهاء هذه الثورة ومشروعها في بناء دولة مدنية ديمقراطية على قاعدة المواطنة والحقوق المتساوية للجميع." ثم نوه إلى أنه " وبعد ثمان سنوات ورغم سيطرة النظام وروسيا وإيران والآلة الأمنية على مدينة درعا والتخاذل العربي والعالمي أكد أبناء هذه المدينة الأسطورة، أنهم مازالوا مؤمنين بالأهداف الأولى للثورة، وأن تضحيات أبناءها لن يتم بيعها أو نسيانها، ولن يتم التنازل عن مشروع التغيير كغاية حتمية للوصول للأهداف. وعلى الضفة الأخرى أثبت بقايا النظام المتآكل أنه لا يملك ما يقدمه للناس وللوطن غير صنم عفا عليه الزمن، فلا مازوت ولا غاز ولا خبز ولا حرية. ولكن للأسف مازال هناك من يكذب على نفسه والآخرين ويراهن على هذا النظام، سواء من يحسب نفسه على المعارضة أو الثوار، وكذلك المجتمع الدولي الذي مازال يمدد للنظام الزمن على الأرض لقتل المزيد من السوريين. مازلت مؤمناً أن قطار التغيير سيصل إلى سورية رغم كل العقبات ورغم طول الرحلة، فما زال الرجال على الأرض وما زالت العين تقاوم المخرز". ولسوف تبقى الثورة السورية ما بقي الشعب السوري، وضد كل أنواع الطغيان.
أحمد مظهر سعدو
رئيس القسم السياسي