حفرتُ قبره على مهل
سبعة أمتار أو أكثر
صَيَّرتهُ قبراً بسرير من بازلت
ورفوف من رخام
زيَّنتهُ بأيقوناتٍ أحببتُها ذات يوم
وفوانيس وقودها زيت زيتون
وخمر عتيق في فخّار
نثرتُ في زواياه الأربعة
بعض الزهور
وقصائد كتبتُها تحت ضوء القمر
لنساء جميلات أحببتهنَّ.
إنِّي حفَّار قبور بارع
بهمّة عالية
وببقايا ابتسامة متهتكة.
حفرتُ قبره على مهل
قبرٌ يليقُ بجثة مهيبة
ذات سمعة عطرة
وتاريخ متهدّج طويل
حين حضرت الجثة العزيزة على قلبي
مُثَّاقلةً وملفوفة بكفن باهت الخضرة
سكنتني خيبة أخرى
ربّما هي آخر الخيبات
ذُهلتُ،
كانت الجثة بحجم "كشتبان"
الكشتبان الذي رتَّقت فيه أمي جواربي
وحقيبة مدرستي
وأزرار قمصاني.
بمهابة وجلال وخشوع
جعلتُ الجثة تتوسد البازلت
وأهلت عليها التراب بشكل محموم
كانت تصرخ
تستنجد، تستجدي، تتوسل
وأنا كالمهووس الغاضب
أركل قلبي
وأتفُّ على روحي
وأشتمهما بأقذع العبارات
حين صار التراب جبلاً صغيراً
أو يكاد
نثرنا أزهار "الأكاسيا" والزيزفون فوقه
وجلسنا أنا وقلبي وروحي
نبكي ونتقبل العزاء
من دون معزّين
لا أحد سوى صرير الريح
وموسيقى الجنائز
ومضينا.
من بعيد لوحّتُ بيد مرتجفة للقبر/ الجثة
وصرخت: وداعاً أيها الأمل.
عبد الكريم عمرين
فنان وشاعر سوري