الديمقراطية التركية


جئت إلى تركيا قادماً من مصر مع نهايات عام 2013، وقد شهدت خلال فترة مكوثي في تركيا العديد من الانتخابات التركية الرئاسية والبرلمانية والمحلية، كما شهدت المحاولة الانقلابية التي حدثت في 15 يوليو تموز 2016.

 

من خلال متابعتي لمجريات الأحداث وجدت أن الديمقراطية التركية مختلفة عن أي ديمقراطية أخرى في العالم، إن كان من خلال قراءاتي ومتابعاتي الصحفية أو مشاهداتي، فقد أثبتت لي اختلافها من خلال تجسيدها للفهم العملي للديمقراطية عبر ممارسات الشعب التركي واختياراته الحرة.

في كل انتخاب يتجلى العرس الانتخابي في أبهى صوره، جميع الأحزاب تتسابق إلى اكتساب رضى الشعب في محاولة لدفعه للتصويت لها، خيم تنصب في الساحات، تتجاور فيها خيمة الحزب الحاكم (العدالة والتنمية) مع خيم الأحزاب المعارضة المختلفة، يتبادلون الزيارات والشاي ويبتسمون لبعضهم ويلوحون للآخر بحب، وعندما تصدر النتائج تبادر الأحزاب الخاسرة إلى تهنئة الفائزين بود ومحبة.

وكلنا يتذكر زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى خيم الأحزاب المعارضة وإلقائه التحية عليهم والجلوس معهم ومحاورتهم قبل دخوله إلى خيمة حزبه الحاكم.

 

لم يشهد العالم أحداثاً مشابهة لما مرت به الانتخابات المحلية التي جرت لاختيار رؤساء البلديات في31/3/2019 حيث تجلت الديمقراطية التركية في أبهى صورها حين فاز حزب العدالة والتنمية الحاكم بنسبة 52 بالمئة من أصوات الناخبين فقط وليس 99 بالمئة، وفيها أعلن الرئيس التركي إعجابه بالشعب التركي وتمنى أن تعود نتائج الانتخابات بالخير للبلد والأمة والمدن والمناطق والقرى، وقال: أقدم شكري لكل فرد من مواطنينا الـ 81 مليونًا، وإن شعبنا عبّر عن إرادته من خلال المشاركة الكبيرة في عملية الاقتراع، ووصفها بأنها تمثل نضجاً ديمقراطياً.

 

وقال الرئيس أردوغان: "إن الفوز والخسارة يحددها الشعب التركي، وهذه هي الديمقراطية، ويجب أن نقبلها جميعًا، نقر أننا كسبنا قلوب الشعب التركي في المناطق التي فزنا فيها، وأننا لم نحقق النجاح المنشود في المناطق التي خسرناها، ووفق ذلك سنحدد مسارنا في المستقبل.

 

البصمة المدهشة التي تركتها نتائج الانتخابات المحلية تجلت في اكتشاف حالات تزوير في الأوراق الانتخابية من قبل أحزاب المعارضة، هي سابقة لم تحدث في أي بلد آخر في العالم.

كلنا سمعنا وشاهدنا التزوير المتعمد الذي تلجأ إليه الأحزاب الحاكمة في غالبية دول العالم من أجل تثبيت حكمها، وخداع شعوبها بأن الانتخابات كانت نزيهة.

 

في تركيا الحزب الحاكم بعد اكتشافه لحالات تزوير متعددة، قدم الطعون في نتائجها إلى اللجنة العليا للانتخابات، طالباً إعادة فرز الأصوات.

في الأماكن الأخرى التي لم تكتشف فيها حالات تزوير أقر بنتائجها وبادر إلى تسليم البلديات التي كان يترأسها إلى الفائزين بالانتخابات كما حدث في العاصمة التركية أنقرة.

وتبادر البلاد الديكتاتورية والحكام الطغاة والصحفيين والإعلاميين المأجورين إلى مهاجمة تركيا والطعن بنزاهة الانتخابات في كل مرة تحدث فيها انتخابات ديمقراطية حقيقية.

سيسجل لتركيا أنها تركت بصمتها في تعريف الديمقراطية وممارستها، وستدرس عبر التاريخ للأجيال القادمة.

 

صبحي دسوقي   

 رئيس التحرير

 
Whatsapp