-1-
كل من في الصف كان يحسد "هطّول"، موقع بيته المقابل لمدرستنا أمنية كل طفل، شارع لا يتجاوز عرضه عشرة أمتار فقط ما كان يفصل بيته عن المدرسة.
يتمنى كل التلاميذ أن يكونوا مكان "هطّول"، ففي أيام البرد والمطر حين يكون "هطّول" نائماً نكون نحن على الطريق، ونخوض في الوحل وبرك الماء للوصول إلى المدرسة حين يكون هو في فراشه مرتاحاً، أو قرب المدفأة يحمص الخبز ويحتسي الشاي.
في الفرصة يذهب إلى البيت كأنه داخل على صف من صفوف المدرسة يخطف "لفة دبس البندورة" مع النعناع والبصل اﻷخضر أو "لفة سمنة مع السكر" ويعود مسرعاً وكأن شيئاً لم يكن، نحسده ونتمنى لو أننا مكانه.
يأتي "هطول" كل صباح متأخراً غير منجز واجباته المدرسية، وأحياناً لا يزور الماء وجهه منذ نهار البارحة فتلومه المعلمة على ذلك دائماً، ولا يمكنه الكذب على المعلمة حتى لو حاول لن يناله، فقرب البيت له أيضاً سيئات، يمكن للمعلمة أن تذهب إلى أهل "هطّول" في أية دقيقة تريد وتحتسي القهوة والشاي، أو يمكنها أن تحدثهم من شباك الصف المشرف على بيت "هطّول" لتسأل عن سبب غيابه إن تأخر أو تمارض، كنا نشاهد بيتهم مثل صحن على طاولة، وكثيراً ما كانت أمه تناديه من بيتهم من داخل إحدى الغرف وهو معنا في الحصة وكأنه في الغرفة الثانية، ليذهب ويجلب لها غرضاً من الدكان أو ليملأ "دبو" المازوت للمدفأة.
-2-
في أحد الأيام قررت إدارة المدرسة أن تغلق الباب المقابل لبيت "هطّول" وأن تفتح الباب الشرقي للمدرسة لأسباب إدارية، وبقي "هطّول" في كل صباح يقفز من فوق باب المدرسة الشمالي المواجه لباب بيتهم متأخراً كعادته.
إلاّ أنّ والدة "هطّول" دعت المدير إلى عزيمة "كلال"۲ في منزلها، تربع رأس خروف على تلة من "المنابير"۳" و"المقادم" مروية بالثوم واللبن وسط "صينية" فرشتها خبز صاج خبزته على الحطب مع "الكلال" وعملت على تجهيزها يومين على التوالي، وبعد تناول الغداء وأثناء شرب كأس الشاي الخمير، توسلت إليه أن يفتح باب المدرسة الشمالي، قائلة:
هطّول" يطلب أن نبيع بيتنا المقابل للباب الشمالي وأن نشتري البيت المقابل للباب الشرقي للمدرسة.
كان بُعد باب المدرسة الشرقي عن البيت قد أثر على دراسة "هطّول" وعلى تحصيله العلمي.
----------------
شرح المفردات.
۱- هطّول، بالعامية الرقاوية لقب يطلق على الشخص الغبي.
۲-"كلال" أكلة شعبية، مكوناتها رأس غنم وأمعاؤها وأقدامها.
۳-"المنابير" أمعاء الغنم محشية بالرز.
موسى الرمو
فنان وكاتب سوري