إعادة التوطين.. حكاية لم تكتمل


  - أم إبراهيم والأمل:

كعادتها صباح كل إثنين استيقظت باكراً وهي تمنّي النفس بأنها خلال هذا الأسبوع ستتلقى الاتصال الذي تنتظره منذ أعوام ثلاث، وهو الذي قد يغير مصير عائلة بأكملها إن تمّ.

أم إبراهيم (47عاماً) سيدة سورية تقيم مع زوجها وأولادها في مدينة أورفا التركية منذ سنوات، أصغر أطفالها إسماعيل (5سنوات) يعاني من مرض خبيث تمكّن منه واستحكم في جسده المنهك، وبات مهدداً لحياته بعد أن عجز الأطباء عن علاجه، ما دفع أم إبراهيم لتقديم ملف صغيرها الطبي - مرفقاً بالتقارير والتحاليل - إلى جمعية التضامن مع طالبي اللجوء والمهاجرين التركية والمعروفة اختصاراً  بآسام ASAM)، والتي بدورها رفعت الملف إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين المسؤولة عن ترشيح الملفات بغية إعادة توطين أصحابها في إحدى الدول المتقدمة (UNHCR) .

  • ماذا يعني إعادة التوطين:

إعادة التوطين هو: (نقل اللاجئين من بلد اللجوء إلى دولة أخرى وافقت منظمة (UNHCR) على قبولهم ومنحهم الاستقرار الدائم فيها).

كما تتعهد بلدان إعادة التوطين على توفير الحماية القانونية والجسدية للاجئ بما في ذلك تمتعه بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المشابهة لحقوق مواطنيها، وهي الحقوق التي تكفلها له الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين لعام 1951 والتشريعات والقوانين الدولية ذات الصلة بما فيها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدان الدوليان الخاصان بالحقوق المدنية والسياسية، وبالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

  • من هم المؤهلون للحصول على إعادة التوطين؟

هم اللاجئون المسجلون في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ممن تنطبق عليهم معايير التوطين.

  • لماذا قد يرغب اللاجئون السوريون بإعادة توطينهم؟:

بعد اندلاع الثورة الشعبية في 2011 ضد النظام الحاكم تزايدت أعداد النازحين داخلياً واللاجئين خارجياً باضطراد، وبحسب ما كشفت عنه المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في آخر إحصاء لها على موقعها عام 2018 فقد بلغ عدد اللاجئين السوريين خارج البلاد حتى تاريخه (5,6) مليون لاجئ تتوزع النسبة الأكبر منهم بين دول الجوار الثلاث:

*تركيا (3,576,337) مليون لاجئ.

*لبنان (982,012) لاجئ.

*الأردن (666,113) لاجئ.

علماً أن هذا الرقم يشمل اللاجئين المسجلين في قيود المفوضية فقط ما استدعى تصنيف ما حدث في سوريا بأنه التشريد الجماعي الأكبر والأقسى منذ الحرب العالمية الثانية.

هذا الوضع قد خلق ضغطاً كبيراً على كل من المجتمعات المضيفة وعلى اللاجئين معاً الأمر الذي استدعى بحثاً عن حلول أخرى من بينها إعادة توطين السوريين ممن تنطبق عليهم المعايير في بلد ثالث كأحد الحلول المطروحة لعلاج هذه الضغوط والمشاكل الناجمة عنها.

  • الأمان المفقود:

صفاء معلمة شابة وأم لولدين تحدثت إلينا بألم وحرقة عن كونها مع ابنها الأصغر المعيلين الوحيدين لأسرة من ستة أشخاص رغم وجود الأب وابن آخر في نهاية المرحلة الثانوية، اضطرتهم الظروف المعيشية الصعبة وعدم توفر بعض الاحتياجات الأساسية لمزاولة مهن بعيدة جداً عن دراستهم وتخصصهم الجامعي وعملهم السابق.

تعمل الآن صفاء كخياطة في إحدى ورش الخياطة النسائية في مدينة مرعش التركية، أما زوجها فقد تفرغ لخدمة والديه المريضين واصطحابهما المشافي دورياً والاعتناء بهما.

(الأمان الاقتصادي هو الركيزة الأولى للاستقرار المعيشي في كل زمان ومكان) هكذا تكلمت صفاء قبل أن تحدثنا عن رغبتها بالانتقال إلى دولة أوروبية مع عائلتها وذلك عن طريق إحدى المنظمات الإنسانية التي تعمل على تمييز الحالات الأكثر ضعفاً ومساعدتها للانتقال إلى مجتمعات أكثر أمناً.

  • مخاوف مشروعة:

صنّف لنا السيد عمر أحد موظفي منظمة الهجرة الدولية (IOM) المخاوف من إعادة التوطين بنقاط ثلاث:

*التحفظ على بعض القوانين التي تحد من حركة اللاجئ وحرية تنقله بين الدول والتأخر في استصدار الأوراق الثبوتية والقانونية.

*جملة من المخاوف المتعلقة بعدم الاندماج وعدم التأقلم، وضعف الانتماء وعدم الشعور بالمواطنة، أو الخوف من التمييز على أساس العرق أو الجنس أو اللون، وضعف المنظومة الأسرية وغيرها من المخاوف الاجتماعية.

*صعود اليمين المتطرف والعنصري المعروف بعدائه للاجئين وللمهاجرين، والخشية من استعماله لأساليب تتضمن العنف والقوة لإرهابهم وطردهم، ودفعهم للعودة إلى بلدانهم الأصلية وهو السبب الأكثر أهمية برأي البعض.

  - أم إبراهيم.. عود على بدء

وصلت أم إبراهيم إلى فرنسا في بداية شهر آذار الماضي وتم إجراء عدد من التحاليل الطبية لإسماعيل الصغير الذي يبتسم لطبيبه الفرنسي بثغر منفرج سعيد كأسارير وجه أمه التي ما يئست ولن تيأس يوماً، ترسم في مخيلتها البسيطة حلماً بأن يشفى ولدها ويعود يوماً لبلده سوريا، ليساهم في بناء مستقبلها مع جميع أبنائها البررة بعد سقوط النظام الغاشم بإذن الله.

 

جوانا كيالي

 
 
Whatsapp