هل نتعلم من دروس انتصار الشعوب؟


إرادة الشعوب لا تقهر، والاستبداد إلى زوال مهما طال الزمن، لأن لشعوب هذه المنطقة مطالب حقيقية لا يمكن إغفالها أو القفز فوقها وتجاهلها، وما المحاولات المستميتة للالتفاف عليها، إلا دليل على قوة هذه المطالب المهددة لاستقرار الأنظمة المستبدة التي نعمت به خلال العقود الماضية، نتيجة تحالف قوى رأسمالية تمتص دماء الشعوب وأنظمة مستبدة خانعة وعميلة للخارج تسمح لهم بسرقة ثروات الشعوب مقابل بقائها في الحكم ونهبها لبلدانها.

ضاقت الشعوب ذرعاً بهذه المعادلة، فانفجرت بانتفاضات متعددة متلاحقة، كما في انتفاضة ربيع ايران، وانتفاضة أيلول 2013 في السودان، ولم تحقق نتائجها سريعاً من المرة الأولى نتيجة ظروف متعددة، ثم عاد قطار الربيع العربي لينطلق مع البوعزيزي في تونس، ومع خالد سعيد في مصر، ومع أطفال درعا في سوريا، وفي ليبيا واليمن ، وإن كانت تلك الموجة قد حققت أولى أهدافها بإبعاد رأس النظام في كل تلك البلاد ما عدا سوريا، فإنها لم تستطع الوصول إلى إسقاط النظام السياسي الأمني العسكري كاملاً، نتيجة ظروف متعددة، وسرعان ما انقض العسكر بالتحالف مع فلول الأنظمة السابقة على الحكم في مصر، وعادت رموز النظام القديم عبر صندوق الانتخابات في تونس، ودخلت ليبيا واليمن في اقتتال داخلي، وحاولت القوى المناوئة للانتقال الديمقراطي جعل الشعب السوري واليمني والليبي أمثولة لبقية الشعوب، كي تخاف من المطالبة بالانتقال السياسي من أنظمة مستبدة مجرمة إلى أنظمة ديمقراطية تعددية تعتمد قيم المواطنة وحقوق الإنسان دستوراً لها.

الحراك الذي انطلق في الجزائر والسودان كان استمراراً للحركة التفاعلية لشعوب المنطقة، وما تم تحقيقه حتى اليوم من إزاحة رأس النظام في كلا البلدين أمر مهم ومبشر، ويعطي مؤشراً أن الفزاعة السورية لم تجد نفعاً مع القوى الداعمة للاستبداد في منطقتنا.

ما ميز الانتفاضتين الجزائرية والسودانية أن للشعب قواه السياسية الوطنية التي اجتمعت لتكون يداً واحدة ضد الاستبداد، ولم تتغير بوصلتها لهاثاً وراء المكاسب السلطوية المتوقعة بعد إسقاط النظام، فسددت ضرباتها باتجاه رفقاء التغيير المحتملين بدلاً من تسديدها باتجاه الاستبداد، فلم نشهد صراع هيئة التنسيق مع المجلس الوطني، ولم نشهد كهنة الثورة المستقلين الذين حاربوا التنظيمات الحزبية ورسخوا قيم الفردية من أجل استمرار وجودهم، وشكلوا بهذا الفعل طبقة من الزعماء ورسخوا هذه العقلية لدى الفئات الشعبية غير الواعية سياسياً، فأصبح الكثير منهم يعتبر نفسه أو مجموعته النجم الذي يجب أن تدور حوله بقية الكواكب.

لم تشهد الانتفاضة الجزائرية والسودانية انقساماً وطنياً على أسس طائفية أو مذهبية أو عرقية، بل كانت هناك قوى حزبية منظمة تقود الناس من خلال منظماتها، وتصنع الشعارات وتصدر البيانات السياسية التي تعبر عن رأي الشعب المنتفض على سلطة الاستبداد.

وهذا ما افتقدناه في ثورتنا، فقد دفعت الأنانية الكثير من القوى السياسية المعارضة في سوريا لأن تعتبر الاختلافات في الرؤيا أكبر من خلافها مع النظام، فاحتكرت العمل ودفعت الحركة الوطنية للانقسام، كما دفع كهنة الثورة الشباب السوري للابتعاد عن التنظيمات الحزبية والكفر بها، لأنها ترى نفسها أكبر من أن تكون في حزب يحاسبها ويناقش أفعالها وتصريحاتها.

لو كان الشيخ معاذ الخطيب ينتمي لحزب وطني، حزب يبني برامجه على أهداف الثورة والتي طالبت بالحرية، وأكدت أنها بعيدة عن قوى الإسلام السياسي "لا سلفية ولا إخوان"، فهل كان ليجرؤ على تصريحاته تلك؟!

لقد تم تشويه العمل السياسي في عهد النظام الأسدي، وحوصرت الأحزاب ولوحق الأحرار تصفية واعتقالاً وتهجيراً، فكان لابد من الابتعاد عن السياسة وشكلها التنظيمي وهو الحزب، فأصبحت “السياسة نجاسة” وأصبحت الديمقراطية مرادفاً للانحراف الأخلاقي، وساهم ضعف الأحزاب المعارضة في بداية الثورة في نشر فكرة عدم ضرورة الحزبية، وتسببت سياسات الهيمنة التي مارستها المعارضة السياسية - التي بقيت صامدة بعد سنين طويلة من الاستبداد - في إحجام شباب الثورة عن اقتحام المجال السياسي، خصوصاً وأن العقلية التي أدارت تلك الأحزاب لم تتطور ولم تستفد من المتغيرات، بل تجمدت وبقيت في الماضي، مما تسبب بانقسامات كثيرة في الحركة الوطنية وداخل تلك الأحزاب نفسها.

تفيد دروس الانتصار في إزاحة رأس النظام بكل من السودان والجزائر، بأن العمل الحزبي المستند إلى برامج وطنية ثورية له دور كبير في تحقيق أهداف الثورات.

 

زكي الدروبي

صحفي وكاتب سوري

 
 
Whatsapp