مقارنة بين كاتدرائية نوتردام والمسجد الأموي


أحدث حرق كاتدرائية نوتردام في فرنسا ردة فعل كبيرة في جميع أنحاء العالم، إذ بكى المسيحيون على حرق الكنيسة التي تعد واحدة من أقدم وأهم أماكن العبادة عندهم.

القسم الثاني من الناس - بمن فيهم الكثير من المسلمين - حزنوا لاحتراق المعلم الأثري التاريخي الذي يعتبرونه تراثًا مشتركًا للإنسانية.

خلال ذلك الحريق احتدمت عدة نقاشات وجدالات لفتت انتباهي، لقد ذكر الكثير من الناس قضية صمت العالم الغربي المطبق حيال دمار الكثير من الآثار التاريخية للمسلمين خلال الحروب والهجمات الإرهابية وغيرها. الغاضبون من الصمت الغربي حيال دمار الآثار الإسلامية وجهوا الكثير من النقد لأولئك الذين عبروا عن حزنهم لحريق الكاتدرائية بمن فيهم أنا.

تكرار الخطأ الغربي

إن المسجد الأموي الذي تم تدميره بالقصف على حلب يعد أحد أهم رموزنا ومعالمنا التاريخية والتي قابلها الغرب وإعلامه بالصمت المطبق، هذا صحيح، طبعاً الدول الغربية صمتت أيضاً حيال كل تدمير لآثارنا التاريخية في أفغانستان والعراق واليمن، سواء تلك التي دمرتها أمريكا بشكل مباشر أو أعوانها الذين تدعمهم.

دعونا نغض النظر مؤقتاً عن الآثار التاريخية، إن الغربيين لم يحركوا ساكناً حتى حيال مقتل وموت عشرات الآلاف من المدنيين.

ففي حين غرق الآلاف من اللاجئين في البحر الأبيض المتوسط، كان الغربيون يواصلون رحلاتهم السياحية إلى ذات البحر ويتمتعون بالسباحة على شواطئه، ولم يكتتفوا بذلك، بل أغرقوا تلك السفن التي تقل اللاجئين أيضًا وأقفلوا أبوابهم الحدودية في وجوههم، يمكنني أن أستمر في ذكر التصرفات الغربية أكثر وأكثر.

كل هذه الممارسات تكشف عن ازدواجية المعايير التي يستخدمها الغرب والظلم والنفاق لدى بعضهم، لهذا السبب لا يمكننا أن نشْبههم أو نكون مثلهم. فعندما نواجه حادثة مماثلة لا يمكننا أن نتصرف مثلهم، لذلك لا يمكننا تكرار خطأ الغرب ولا نريد فعله.

لماذا يجب أن ندافع عن القيم الإنسانية المشتركة؟

يجب علينا أن ننظر إلى العالم من زاوية الإنسانية، أولا نحن جميعاً بشر، ثم نحن مسلمون نعيش وسطهم، ثم بعد ذلك في - ومرتبة ثالثة - تأتي قضية أصولنا العرقية وبلداننا وطوائفنا وأفكارنا.. إلخ.

لكن قبل كل شيء فنحن بشر وأناس، وبالتالي فإن للإنسانية قيمها مشتركة، ولهذا السبب فإننا ندافع عن هذه القيم ونحميها.

فعلى سبيل المثال، فإن موقع (غوبيكلي تبةGöbeklitepe  ) الأثري الواقع جنوب شرق تركيا ليس لنا فقط، فبفضل القطع الأثرية الموجودة في ذلك الموقع ، تمت إعادة كتابة تاريخ الانتقال من حياة الصيد/ وجمع الثمار إلى حقبة الحياة الزراعية.

إن القيم التي أضافتها معابد (الإنكا) إلى الإنسانية، وتأثير الإهرامات المصرية على بناء الحضارات الإنسانية، و(الأكروبول) في اليونان، و(الكولوسيوم) في روما هي القيم المشتركة التي تضيء تاريخ البشر.

لماذا يجب علينا ألا نكرر ذات العار والخطأ الذي يقوم به شخص غربي لم يتفوه ببنت شفة أو يحرك ساكناً حيال ما جرى للمسجد الأموي في حلب؟ نحن نهتم أيضًا بالمعالم الأثرية التاريخية التي هي إرثاً مشتركاً للإنسانية وبالقيم الإنسانية، على الجميع أن يولي لها ذات الأهمية بغض النظر عن الدين أو العرق، هذا ما يليق بالمسلم.

نحن نستنكر وندين جريمة القاتل الذي قتل 77 من الأبرياء في النرويج، والقاتل الذي قتل 200 مدنياً في حفل موسيقي في أمريكا، والمجرم الذي قتل 50 مسلماً في نيوزيلندا، كلها ندينها بنفس الدرجة، وهذا هو موقفنا حيال أي إنسان بريء يُقتل في أي مكان في العالم.

الأيديولوجيات تضيق زاوية النظر

إذا كنا نريد أن نعطي درساً للغرب، الذي لم نسمع صوته عندما تم تدمير مسجد (كورشونلو) الرصاصي في ديار بكر نتيجة الأعمال الإرهاب لتنظيم (PKK) فيتعين علينا عدم الاكتفاء بالإدانة فقط، بل يجب أن نفعل ذلك من خلال التعبير عن حزننا الحقيقي لاحتراق كاتدرائية نوتردام التي باتت رماداً في الحريق، إذا كانوا هم لا يخجلون فإن ذلك ليس خطأنا ولا عيبنا ولا مشكلتنا.

أكبر أزمة أو تعقيد في الأيديولوجيات هو أنها تسهم في تضييق زاوية الرؤية، إذ إن الأيديولوجيات العرقية والعنصرية المتزايدة في الغرب باتت تمنعهم الآن من رؤية القيم والثوابت الإنسانية المشتركة.

إن أفق الذين ينظرون للأمور ويقيمونها من منظور ديني وإيديولوجي هي آفاق ضيقة، قلوب أولئك ستصبح صغيرة، وبصرهم سيصبح محدوداً، وأفكارهم ستصبح عقائدية دوغمائية.

بينما هم كذلك فإن الإسلام يمنحنا زاوية رؤية ووجهة نظر عالمية، كما يعطينا ديننا قلباً واسعاً يحتوي كل إنسان، وضمير يولي أهمية لكل كائن حي، ويمنحنا فكراً حراً يدفعنا للدفاع عن القيم الإنسانية المشتركة.

كمال أوزتورك

 
Whatsapp