قضية المعتقلين السوريين: الغائب الحاضر


تعتبر قضية المعتقلين السوريين الغائب الحاضر في جميع المؤتمرات والمحادثات الدولية، بما في ذلك مجريات أستانا وحتى مفاوضات )الهدن( وما سمي )المصالحات( المناطقية داخل سوريا، فهذه القضية تمثل المعضلة الكبرى والكأداء في القضية السورية ككل.
ذلك لأن )نظام الأسد( بمساعدة حلفائه (العلنيين والمستترين) يلتف على الأمر ويتحايل عليه بإطلاق سراح عدد قليل ممِن يعتقلهم حديثاً، ومن غير عشرات الآلاف القابعين في سجونه منذ سنوات، ودوماً يقضي العديد منهم تحت التعذيب.
لم تستطع أية جهة دولية على الرغم من النداءات والحملات العديدة (بما في ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي) حتى الآن أن تحقّق تقدّماً في هذا الملف، أو أن تتمكّن مِن محاسبة المسؤولين عن عمليات الاعتقال والتعذيب داخل سجون نظام آل أسد الجواسيس، التي وُصفت بأنها )مسالخ بشرية(، كل ذلك يأتي من خلال الغطاء الذي مُنح لنظام القتل والاجرام منذ عقود، مكافأةً له على خياناته وجرائمه عبر دوره الوظيفي الذي أُنشيء لأجله بهدف حرف بوصلة النهوض والتقدم العربي بعد عام 1961 وما تلاه حتى اليوم.
فلم تكن معاناة ومأساة الاعتقال لشعبنا السوري خلال الثورة هي المرة الأولى، إذ سبقتها مرات عديدة خاصةً ما بات يعرف بأحداث الثمانينيات والتي ارتكب فيها نظام الجريمة الأسدي حينها أكبر وأبشع الجرائم بحق من اعتقلهم أو أخفاهم بشكل قسري، وعلى غرار ما قام به في تلك الفترة من ممارسات القمع والاعتقال، أعاد تنفيذه خلال مواجهته لثورة الحرية والكرامة بعد آذار 2011 حتى تاريخه، والذي كان أكثر وحشيةً مما سبقه بكثير.
فحوالي 500 ألف معتقل، بين شيوخ وشبان، نساء وأطفال؛ سواسية في نظر جلّادهم يقبعون في سجونه، يضاف إليهم أكثر من100 ألف؛ قُتلوا تحت التعذيب، بأبشع الوسائل المستخدمة بحسب (منظمة العفو الدولية) و(حركة الضمير الدولية)؛ إذ أن تهمة الثورة من أخطر التهم، وهي كفيلة بفتح الباب لأعماق الخيال عما سيلاقيه من يقعون تحت وطأة الاعتقال.
إن النظام يسعى جاهداً لحسم حربه ضد الشعب لمصلحته، لكنه يحرص، إن استطاع، على إخفاء ملفّ المعتقلين واستبعاده من أي مباحثات، سواء في جنيف أو أستانة، لما قد ينجم عن هذا الملفّ من تداعيات قد ترهق حكمه من قبل المنظمات الحقوقية؛ بتهم الضلوع في عمليات تعذيب وحشية للمعتقلين، حين تقدّيم القتلة: بشار أسد ورجالاته، إلى المحاكمة.
وعلى الرغم من تناول المجتمع الدولي لقضية المعتقلين والمختفين قسرياً، فإنّ النتائج ما زالت متواضعةً ومخيّبةً للآمال أيضاً، فحتى هذه اللحظة لم ينتج عنها أيّ حلول ذات مغزًى ضمن هذا الملف.
فعلى خطى طيّ صفحة المعتقلين بدأ النظام أولى خطواته بإخبار بعض أهالي ضحاياه بمصير أبنائهم في سجونه عبر أمانات السجل المدني في عدة مناطق سورية، من دون أيّ معلومات أخرى حتى عن أماكن دفنهم؛ جاءت هذه الخطوة بإيعاز من موسكو المحرّك العلني الأول للنظام، والتي بحسب مراقبين، تهيّئ لمرحلة دولية جديدة مرسومة بدقة حول الوضع السياسي في البلاد.
تقول اللجنة الدولية للتحقيق التي يرأسها (باولو بينيرو) من المعتقد أن أغلب الوفيات قيد الاعتقال وقعت في مراكز اعتقال تديرها أجهزة استخبارات وجيش النظام السوري، وأنه في كل الحالات تقريباً أشارت شهادات وفاة السجناء التي سلمت لأسر المعتقلين، أن سبب الوفاة هو (أزمة قلبية) أو (جلطة)، وأن بعض الأفراد من المنطقة الجغرافية ذاتها توفوا في نفس التاريخ، فيما يحتمل أن يشير ذلك إلى إعدامات جماعية، وفي أغلب الحالات كان مكان الوفاة المذكور هو مستشفى تشرين العسكري أو مستشفى المجتهد وكلاهما في دمشق، لكن لا يذكر اسم مركز الاعتقال.
ومن المؤكد أنه لا روسيا ولا النظام يرغبان في حل حقيقي لقضية المعتقلين، لأن فتح هذا الموضوع قد تعقبه مطالب بالتفتيش والتحقق من المنظمات الدولية في ظروف الاعتقال ووفاة المعتقلين، وهذا سيقود إلى إدانة مؤكدة للنظام وحلفائه، وقد يتبع ذلك مطالب بمحاكمات دولية للعديد من المسؤولين في النظام، بمن فيهم رأس النظام.
ويبقى السؤال: كيف لنا التخلص من الاستهتار بقضية المعتقلين؟ وهي القضية فوق التفاوضية؛ وهل لوحدة الموقف والأداة وطنياً من دورٍ بحلها ولجم التخاذل العربي والدولي حيالها؟

 

عبد الباسط حمودة

 كاتب وباحث سوري

 
Whatsapp