عن الاعتقال كوسيلة لكسر إرادة الثوار الاعتقال السياسي باعتباره جزء من تاريخ سورية الحديث


لم تحظ قضية المعتقلين في سجون الأسد (الصغير) بالاهتمام الكافي من قوى المعارضة وتشكيلاتها، وبقيت ملفًا، من ملفات عديدة، منذ مؤتمر جنيف الأول 30- 06-  2012 بين وفدي النظام والمعارضة برعاية الأمم المتحدة، وصولًا لهيئة التفاوض التائهة بين عديد الملفات والقضايا، وأولويات الأجندة الدولية المفروضة قسرًا، رغم أن المعارضة طلبت منذ البداية ابقاء ملف المعتقلين بعيدًا عن طاولة التفاوض والابتزاز وأصرت أن تكون مسألة انسانية وقانونية، وعلى النظام إثبات حسن نيته فيها بالإفراج عنهم.

قضية الاعتقال السياسي جزء من تاريخ سورية الحديث خصوصًا بعد عام 1963 تاريخ وصول حزب البعث إلى السلطة، حيث تفاقمت ظواهر الاستبداد والبطش بالمعارضين، وتعقيم الحياة السياسية من أي رأي معارض سواء كان معارضًا حزبيًا، أو رأي مثقف أو مفكر، أو حتى ناشط مدني، وعانى كل هؤلاء من أسوأ حالات القهر الإنساني والحط من الكرامة لدرجة اعتبر فيها العديدون (مانديلات)، سورية نسبة إلى الزعيم العالمي (نيلسون مانديلا) وللفترة الزمنية الطويلة التي قضاها معتقلًا في سجون نظام الفصل العنصري في بلده جنوب أفريقيا.

السيدة (عفاف مقصود) زوجة المعتقل البارز رجاء الناصر أمين سر هيئة التنسيق الوطنية الذي اعتقل في وسط دمشق( 20- 11- 2013) وهي أم لمعتقل سياسي، قبل الثورة، قبل أن يصبح شهيدًا أثناء الثورة، قالت لإشراق: أن المعارضة السياسية لم تعط هذا الملف ما يستحق من الاهتمام والمتابعة، وأردفت قائلة: إن المعارضة الداخلية التي انتمى اليها زوجها لا تملك الكثير لتقدمه في هذا الخصوص، مبرزة حجم المعاناة النفسية والقلق الذي يساورها على حياة زوجها، في ظل غياب أي معلومات عن مكان اعتقاله وحالته الصحية، رغم مرور خمس سنوات ونصف على اختفائه القسري في سجون النظام، وهو بالأصل كما أكدت ناشط سياسي سلمي ووطني بامتياز.

شهادات المعتقلين الذين أفرج عنهم، والتي تم توثيقها، تكشف هول المعاناة التي تعرض لها هؤلاء في غياب تام لإحصاء أعدادهم بشكل دقيق، وتهمهم، ومكان احتجازهم، وأوضاعهم الصحية، ومن تم تصفيتهم، أو من قضوا تحت التعذيب أو نتيجة سوء المعاملة، في هذا السياق يقدر رامي عبد الرحمن، مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، من مازالوا أحياء في سجون النظام بين السبعين ألفًا وثمانين ألفًا أما الباقون فهم في عداد المفقودين، وبمعنى آخر قتلوا، الأرقام ولا شك كبيرة، ومهولة، وتشير إلى ما خلفته من معاناة وآلام، وحتى مشاكل اجتماعية ظهرت بعض نتائجها، وستتكشف تباعًا عقابيلها الكارثية، الاجتماعية والانسانية، المروعة في المستقبل، كل المؤتمرات السياسية والجماعات السياسية وضعت قضية المعتقلين بندًا على جدول أعمالها، وكل المؤتمرات السياسية المعنية بالشأن السوري دبجت بياناتها بالمطالبة الفورية بطي ملف المعتقلين، ولكنها بقيت دون جدوى، وحتى المبادلات التي جرت خلال السنوات الماضية لم تقفل هذا الملف المفتوح ولايزال هناك من المعتقلين أو المغيبين من أصحاب الرأي، ومنذ ما قبل اندلاع الثورة المجيدة، مصيرهم مجهولًا كطل الملوحي وغيرها، حاول النظام من خلال الاعتقال العشوائي، والمركز لأسماء من الناشطين كسر عنفوان الثورة، وتفتيت عضد حاضنتها الاجتماعية، من خلال التسريبات، والافراجات المحدودة، لإشاعة الرعب والهزيمة النفسية في كل من خرج ثائرًا ضده وضد مظالمه ومفاسده، في هذا السياق يقول المعتقل السابق جمال معتوق بن محمد ديب الذي مازال يعاني من عاهة دائمة وعجز في حركة الساق والقدم بسبب رصاصات مستقرة في إحدى ساقيه، أطلقها عليه عناصر الاستخبارات الجوية أثناء مطاردته لاعتقاله أو قتله، يقول لإشراق: (من المعيب سياسيًا وأخلاقيًا أن تذهب المعارضة لأي مفاوضات دون طي هذا الملف الذي لا يعرف بدقة حجم معاناة أصحابه المعلقين بين الموت والحياة إلا من تعرض له، وذاق مرارة الألم، وشاهد بشاعة وتوحش رجال النظام في الأقبية)،  وأضاف قائلًا عن المستقبل: (يجب أن تمر سورية بمرحلة العدالة الانتقالية لإنصاف المعتقلين وذويهم.).

الملف موجع ومفجع ومتشعب ويطال من اعتقلوا أو قضوا على يد جماعات أخرى غير النظام، كتنظيم الدولة الإسلامية، داعش، وقوات سورية الديمقراطية، قسد، وغيرهما من الجماعات التي تسلطت على رقاب السوريين.

آن الأوان للتعاطي بشكل مختلف مع هذا الملف الإنساني والسياسي، وبغض النظر عن أي ملف آخر يشغل عموم السوريين، فمن غير المعقول أو المنطقي أن يصرف كل هذا الجهد والوقت على تشكيل اللجنة الدستورية وملف المعتقلين مؤجل ولا يحظى بالاهتمام الذي يستحقه.

عبد الرحيم خليفة

 كاتب سوري

 
Whatsapp