لا أذكر كم كانت الساعة عندما استيقظت لكنني سألت نفسي من الذي فتح الستائر وغرفة من هذه، ولمن هذا الهاتف الذي يرن منذ ساعات، أين أنا ومن أنا، ولمن هذه الصور على الجدار لثلاث بنات أنيقات وجميلات، ومن هي صاحبة الصورة المعلقة فوق السرير ومكتوب عليها (لم تكن أحلامي صغيرة ...أنت كنت المستحيل) ثم التوقيع باسم محمد زادة، ومن يكون محمد هذا.
حملت الهاتف الذي لم يتوقف عن الرنين وإذ على الشاشة صورة صبية تبتسم وشفاهها تشكلان قبلة قد تكون لأحد ما.
قالت لي صباح الخير حمودة.. منذ الصباح أحاول إيقاظك، الكل يبحث عنك وأنت نائم، كانوا سيتطلبون الاسعاف وكان الاسعاف سيكسر الباب لأن كل من رآك البارحة قال عنك كلاماً مخيفاً.
لم أعرف بماذا أجيب، فما علاقتي بالإسعاف وكسر الباب والكلام المخيف، سأقول لها الحقيقة بأنني لست هو وكل ما في الأمر أنني قمت بالرد على المكالمة لإسكات هذا الرنين.
هل أنت بخير يا محمد.
أعادت هذه الجملة عدة مرات وأنا أتأمل صورة الفتاة والتوقيع الذي يحمل اسم محمد.
يا عزيزتي أنا لست محمد ولا أعرف أي شيء عنه فمن المؤكد أنه نسي هاتفه هنا، لكن الفتاة صمتت قليلا ثم تحول صوتها من نبرة القلق إلى نبرة الخوف والغموض وهي تسألني:
أين أنت؟!
أنا في غرفة مفتوحة الستائر
ماذا ترى حولك؟
صور لبنات ثلاث وبورتريه كبير لصبية في متوسط العمر.
ثم تقرأ لي الكلام المكتوب أسفل البورتريه فأهز برأسي بأن هذه الكلام مكتوب فعلا هنا، فتطلب مني ألا أتحرك وتقول بأنها قادمة.
يرن الهاتف مجدداً وتظهر صورة فتاة في أول العمر جميلة للغاية، فابتسم لصورتها وافتح الاتصال لأقول لها بأن الشخص المطلوب نسي هاتفه هنا، وأنا الآن في غرفة مفتوحة الستائر فتخاطبني الفتاة بلهجة المعاتبة:
بابا. أين أنت لقد كتبت لك ألف مرة على الواتس واتصلت بك.. أنا قلقة عليك.
الفتاة صوتها جميل جداً وفيه دفء غريب لا أعرف لماذا ارتاح قلبي لصوتها.
بابا أين أنت ...
أنا في غرفة ستائرها مفتوحة وهو ليس هنا لقد نسي هاتفه.
أنا قادمة.
نهضت أبحث عن المطبخ لإعداد فنجان قهوة، ورحت أفتش في كل خزانة عن البن والسكر والفناجين إلى أن رن جرس الباب، ففتحت وإذ بها تلك الصبية الجميلة التي ظهرت صورتها على هاتفه قبل قليل، وراحت تحضنني واضعة رأسها على صدري، فقلت من المؤكد أن طائرة ما سقطت هنا فهذه عادة أهل الضحايا أن يتوجهوا إلى مكان سقوط الطائرة ليرموا الأزهار فوق الركام، الصبية ظلت واضعة رأسها على صدري تذرف الدموع بينما أنا أسأل نفسي أين يمكن أن أعثر على الفناجين في مطبخ غريب، ثم تصل صبية أخرى وتفتش بين الزجاجات الفارغة وهي تسألني عن الذي شربها وتسألني عن ماذا أبحث فأجيبها .. أبحث عن الفناجين.
في المطبخ يتهامسن لبعضهن البعض..
كل الفناجين مكسورة!! (تقولها الصبية).
يجب أن لا تتركيه وحده (تقول الشابة).
وفي المساء عدت إلى فراش ذلك الرجل الذي يوقظني رنين هاتفه بينما كانت أول مرة أودع فيها صبية جميلة عيناها تشبهني، وشابة تبتسم على الدوام صورتها على هاتف ذلك الرجل الذي غادر ونسي هاتفه، كانت أول مرة أودع قطعاً من الروح دون ألم.
محمد سليمان زادة
شاعر وكاتب سوري