إدلب تنسف الاتفاقات والتفاهمات الاقليمية والدولية


الحملة الشرسة على ريفي حماة الشمالي ومحافظة إدلب، خصوصًا الجهة الجنوبية، توضح أن المنطقة تحولت إلى نقطة كباش تختزل مجموعة من الصراعات الاقليمية والدولية، وعليها سيتحدد ما سيؤول إليه حال المنطقة المنكوبة، الذي تأخر الحسم فيها شهورًا عديدة.

الحملة تأجلت أكثر من مرة، حتى توصلت الأطراف المتصارعة لاتفاق هندسته قمة الأستانة الأخيرة، بعد أن استنفذت تركيا فرص حل إشكال جبهة النصرة سلميًا، رغم أن الأمر لا يعدو أن يكون ذريعة وحجة باتت مكشوفة، ويعرفها الجميع.

"الاتفاق" أبلغت به العديد من الأطراف المعنية وخصوصًا الولايات المتحدة الأميركية، وهو ما جاء على لسان العديد من المسؤولين الأميركيين، مع إبداء تحفظات خجولة على الضربة وحدودها، بعكس المرات السابقة التي كان للفيتو الأميركي دور أساسي في تأخير حدوثها، ما يؤكد أن قرار الحسم قد اتخذ ولا تراجع عنه، ويبقى فقط حدوده وثمنه.

ينتظر المحافظة، بكل الأحوال، مصير سيئ في ظل الهجمات المركزة والقوية لطيران المحتل الروسي، ولقوات نظام الأسد، التي تسببت بتهجير أكثر من 150 ألفًا من المواطنين ومقتل المئات وإصابة مئات الجرحى في ظل تفاقم الوضع الإنساني، نتيجة استهداف المشافي، وتوقف العديد من منظمات الإغاثة عن العمل في المنطقة.

لن تكون نتائج معركة ادلب كما قبلها، فهي ستغير في الوقائع على الأرض، وستزعزع تحالفات وتنسف تفاهمات سابقة. 

أولا-  ستعيد توزيع القوى المتصارعة على الأرض، وستعيد تموضعها بما يكفل أمنها، ويخدم إستراتيجياتها.

ثانيًا-  سينهي دور جبهة النصرة أو "جبهة تحرير الشام" حسب اسمها المعدل، كما أنهت معارك الباغوز في ريف دير الزور قبل أسابيع تنظيم الدولة الإسلامية، (داعش).

ثالثًا-  ستكشف عمق تناقض المصالح التركية-  الروسية و"أزمة" الموقف التركي بين المصالح والأمن من جهة والوفاء لخطاب الدعم للثورة السورية والشعب السوري الذي تقتضيه الأخلاق والمبادئ، كما أنه سيعيد رسم حدود العلاقات بين الطرفين وحدود التفاهمات بينهما.

رابعًا-  ستحدد المعركة مستقبل مسار الآستانة برمته والذي بنتيجة ذلك سيعيد ترسيم العلاقات الأميركية-  التركية، التي برزت مؤشراته بموقف تركي يؤخر استلام صفقة شراء صواريخ S400 وهو مطلب أميركي في الأصل، ربما تخضع له تركيا لإعادة رسم علاقاتها الإستراتيجية مع الولايات المتحدة الأميركية، ولإيصال رسالة قوية لروسيا بأن لديها خيارات أخرى.

خامسًا-  "سيكسب" النظام بعض المواقع الجديدة شكليًا يقوي بها مزاعمه بالانتصار على "الارهاب"، محاولًا بدعم حلفائه، تسويق نفسه للمجتمع الدولي، وأمام جمهوره الذي لا يريد أن يقر ويعترف بواقع الاحتلالات التي جلبها على أرض سورية، وشهية أطراف عديدة لاقتسامها والتهامها كلقمة سهلة.

سادسًا-  سيواجه مشروع حزب الاتحاد الديمقراطي (حتى لا نقول المشروع الكردي) عقبة جديدة بتقطيع أوصاله في أكثر من نقطة، لن تكون مدينة تل رفعت آخرها، مع سعي تركي حميم لدخول مدينة منبج ربما يكون لاحقًا وفي وقت ليس ببعيد.

المصير المنتظر لمحافظة ادلب وريف حماة الشمالي لن تنقذه الجلسة الثانية لمجلس الأمن (حتى الآن وربما يليها ثالثة ورابعة) بل بالتأكيد سيعيد ترتيب أوراق السوريين الذين يعرفون مسبقًا تعقيدات الحالة التي وصلت إليها ثورتهم وقضيتهم، لتعاطي مختلف وبمنطق مغاير لكل ما حولهم.

 

عبد الرحيم خليفة

 كاتب سوري

 
 
Whatsapp