ما زالت آلة الحرب المجرمة لنظام الأسد والاحتلال الروسي مستمرة في قتل أهلنا في أرياف حماه وإدلب وحلب الغربي، متسببة في ارتقاء مئات الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين شهداءً طاهرين، وما زال التدمير الممنهج سياسة متبعة بهدف كسر إرادة الشعب الثائر.
رفض أفراد الشعب السوري الموجودون في المناطق التي تُقصف الاستسلام، كما رفضوا التسليم بالخرائط المعدة والموضوعة والمفصلة على قياس المصالح الدولية المختلفة، فكان لا بد من الإجرام لتهجير السكان، وإفراغ المنطقة، مستمرين في سياسة القضم قطعة وراء قطعة، في مقابل فصائل تقتل النشطاء وتشرعن القصف على المنطقة ضمن مسلسل الحرب على الإرهاب، وفصائل عسكرية أخرى تجري مسابقات في شد الحبل، وتتبارى ضاربة بمصالح الشعب السوري عرض الحائط.
لقد سهلت سيطرة جبهة النصرة على إدلب وأريافها وأرياف حماه، وقتلها النشطاء الذين أحرجوا النظام في زمن سلمية الثورة، وتصفية القوى الثورية الحية وسرقة سلاحها، على روسيا والنظام هذا الإجرام الكبير بذريعة مكافحة الإرهاب، ورغم معرفتنا المسبقة بهذا المصير، ورغم المناشدات كلها التي وجهت إلى قادة جبهة النصرة كي تحل نفسها، وتنقذ المدنيين من مصير محتوم، إلا أن قيادتهم وعناصرهم صموا آذانهم عن مصلحة الشعب السوري، ولم يحرصوا على دماء أبنائه، لا بل ازدادوا عِتياًّ وبلطجة، وقتلوا رائد ورفيقه، واعتقلوا وقتلوا تحت التعذيب، ولاحقوا الأحرار واعتقلوهم، وركزوا عملهم على تثبيت سيطرتهم على المنطقة، وتطبيق ايديولوجيتهم المتطرفة، معلنين إدلب إمارة إسلامية، وهم أبعد ما يكون عن قيم دين الإسلام العظيمة، ورغم هذا ما يزال العدد الكبير من الناس يطبلون لهم، ويحرفون مسار الثورة من ثورة ضد الاستبداد للانتقال إلى الديمقراطية إلى ثورة إيمان وكفر.
هل يمكن قلب الطاولة؟
لحملة نظام الأسد العسكرية الأخيرة أهدافًا متعددة تتمثل في تقدم عسكري على مناطق محددة وفق تفاهمات الدول المختلفة، “عملية عسكرية محدودة” على النحو الذي قاله المبعوث الرئاسي الأمريكي) جيمس جيفري (، وكل القصف والإجرام الحاصل يتم بصمت دولي، وتقدم النظام على حساب دماء المدنيين، وصمت الدول العالمية على هذه الانتهاكات غير المسبوقة - التي تخالف ميثاق الأمم المتحدة وتنتهك مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان - سوى من تصريحات خجولة لا تسمن ولا تغني من جوع.
يحاول نظام الأسد عن طريق هذا العمل العسكري لملمة أوضاع نظامه المتهالك المفكك، فقد ظهرت المشاكل الكبيرة والبنيوية في جبهة النظام الذي لا يعرف سوى لغة القتل والتدمير، فهو من جهة يمر في أزمة اقتصادية خانقة، ويبيع ممتلكات الدولة في سبيل إرضاء الدول الوصية على قراره، متحولاً إلى تاجر عقارات، فتارة يبيع مطار حميميم وتارة يبيع الفوسفات، وتارة أخرى يبيع مرفأي اللاذقية وطرطوس، ومن جهة أخرى تحول عناصره وكوادره القيادية من الولاء لأسرة رأس النظام إلى الولاء للدول المختلفة المحتلة سوريا مثل روسيا وإيران، وما من سبيل أمامه سوى الهروب إلى الأمام في محاولة لإخضاع السوريين عبر “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”، وهكذا يخضع الشعب السوري المحتج على الأوضاع الكارثية في مناطق سيرته، ويخضع الشعب السوري الموجود في المناطق المحررة من سيطرته الذي ارتفع صوته محتجاً على ممارسات الفصائل المختلفة التي تشابه طريقة عمله ونهجه.
ويبدو أن نظام الأسد في أضعف حالاته، وجبهته مخلخلة ومنقسمة ويسعى من خلال المعارك العسكرية إلى توحيد مؤيديه وراء الهدف الأكبر “القضاء على الارهاب” ومحاربة “المؤامرة الكونية” المفترضة.
زكي الدروبي
صحفي وكاتب سوري